الصلة ليست منبتّه تماماً ما بين قذائف الكاتيوشا التى ظل ما يسمى بقطاع الشمال يلقي بها على مدينة كادوقلي، حاضرة ولاية جنوب كردفان، والقذائف التى أطلقتها طائرات اسرائيلية على مصنع اليرموك للسلاح، جنوبيّ العاصمة السودانية الخرطوم الاسبوع الماضي. لا مجال للمصادفات فى الحوادث من مثل هذا النوع، خاصة وأن صلة اسرائيل بما يسمى بقطاع الشمال معلومة للكافة. ففي كادوقلي وللمرة الرابعة فى غضون شهر عاود متمردو قطاع الشمال توجيه قذائف لم يستثنوا من ذلك مناسبة العيد، يستهدفون ذات الأهداف (النساء والأطفال) وربما كان التصور الوحيد فى هذه المرة أن سوق مدينة كادوقلي الذي كان مكتظاً بالمواطنين لشراء أغراض العيد تلقى عددا من هذه القذائف إمعاناً من المتمردين فى ملاحقة الأبرياء وإفساد المناسبة والدفع بموجة نزوح ولجوء جديدة. وفى الخرطوم فعلت القذائف الاسرائيلية ذات الشيء، أصابت منازل لمواطنين وأسقطت قتلى وجرحى وأثارت موجة من الذعر، لا سيما وأنها تخيّرت توقيتاً حرجاً للغاية حين إقتحمت ساعة راحة المواطنين فى تلك الساعة المتأخرة من الليل. فى كادوقلي كان الذين يطلقون القذائف يتوارون خلف الجبال والآكام متحاشين أيّ مواجهة مباشرة مع الجيش السوداني والعِلة هنا معروفة، ففي مثل هذه المواجهات فإن رجحان الكفة محسوم مسبقاً. فى الخرطوم جاءت القذائف الاسرائيلية مضطربة ومرتجفة هرولت بعدها الطائرات المغيرة هرباً من أيّ صدام مُحتَمَل مع الدفاعات الأرضية السودانية. في الحالتين – كادوقلي واليرموك – العدو تعاملَ بقدرٍ من الجُبن والخِسة، فالضرب من وراء ستار ثم التواري ليس من أساليب الحرب المتكافئة ؛ كما أن القتلى الذين سقطوا والأضرار المادية التى وقعت تشير الى أنّ النسبة التى كان يتعامل بها العدو فى الحالتين، شبه متساوية، إصابة أهداف عسكرية وبذات الدرجة إصابة أهداف مدنية وسقوط أبرياء، والهدف من وراء ذلك معلوم فالأسلوب الاسرائيلي المحفوظ عن ظهر قلب قائم على فرضية الإخافة وبث الذعر وإرهاب الجميع، وللأسف الشديد هذا الاسلوب لم يؤتي أكله لا في كادوقلي ولا في اليرموك؛ إذ سرعان ما عاود المواطنون أنشطتهم المعتادة، بل إن بعضهم أصرّ على الوصول الى منطقة الحادث دون أدنى خوف من تبعات ذلك. إنَّ من المحتمل أن يكون هذا الذي يجري على نطاقَين متباعدَين مكانياً هو فى حقيقته مشروع واحد، هو العمل على ضرب السودان وإضعافه عسكرياً تمهيداً لإجباره علي الرضوخ للتفاوض مع ما يسمى بقطاع الشمال. كما أن شعور ما يسمى بقطاع الشمال أنه بات يعاني يُتماً جراء فطامه عن الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة الجنوب، جعله يلجأ الى (مرضِعة) جديدة، لها هي الأخرى غير الرضاع مصالح حيوية أكبر من ضرب السودان وضمان قعوده وعجزه وتفوق الدولة الجنوبية عليه. وربما كان الأمر فى مجمله رسالة موجهة الى السودان بصورة عملية فحواها أن ما يسمى بقطاع الشمال أصبح رسمياً فى حضانة إسرائيل بعدما تنازلت جوبا عن حضانته!