تقول الأسطورة العربية القديمة إن الغراب حاول تقليد مشية الحمامة ففشل، والطامة الكبرى أنه بالإضافة لعدم إتقانه مشية الحمامة، لم يستطع العودة إلى مشيته.. حالة (شيزوفرينيا) تعيشها الصحافة العربية، وهي حالة فصامية بين واقعها وبين أدبياتها النظرية التي أدمنت البيات في الأرفف والأضابير المكتبية دون أن تتنزل في الأرض واقعاً معاشاً.. (فوضى) الانتساب إلى مهنة الصحافة تتحدى الشروط (النظرية) الواجب توفرها في الصحفي المحترف.. (البناء النقابي والمساواة في قطاع الإعلام) موضوع ورشة عمل إقليمية أقيمت نهاية الأسبوع الماضي في الجزائر بمشاركة ممثلين عن نقابات الصحفيين العربية.. الورشة التي أتيحت لي فرصة المشاركة فيها ركزت أعمالها على تطوير البنى النقابية والمفاوضات الجماعية من أجل تحسين ظروف عمل الصحفيين.. وإجماع كامل من جانب المشاركين على سيطرة إشكالية (من هو الصحفي) على المشهد الصحفي العربي.. أهم توصيات الورشة: ضبط مهنة الصحافة وتشديد قواعد ولوج المهنة حماية لها من (التمييع).. (التمييع) تستفيد من السلطات الحاكمة وتشجعه.. ونقاء الجسم الصحفي من الدخلاء يضع محاولات السلطات التدخل في عمل الصحفيين والتأثير السلبي عليهم أمام تحدٍ حقيقي.. نظم الورشة بتكاليف معقولة ومخرجات قوية وضعت الإصبع على الجرح، الاتحاد الدولي للصحفيين والنقابة الوطنية للصحفيين في الجزائر بالتعاون مع منظمة فريدريش إيبرت.. الاتحاد الدولي للصحفيين هو المنظمة النقابية التي تجمع اتحادات ونقابات الصحفيين حول العالم وتضم في عضويتها (600) ألف صحفي بمن فيهم الصحفيون العرب.. كذلك من التوصيات المهمة إعطاء الدور الأكبر للاتحادات والنقابات المهنية في منح رخصة العمل في الصحافة وتأهيل الصحفيين بصورة احترافية تمكنهم من حمل البطاقة الصحفية.. الاتحاد العام للصحفيين السودانيين يملك حق منح القيد الصحفي وهي شهادة أو رخصة تمكن حاملها من ممارسة الصحافة بصورة احترافية.. ليست هذه الشهادة تؤهل صاحبها لعضوية الاتحاد إلا إذا كان ممارساً بالفعل للصحافة، فليس بالضرورة كل من لديه قيد صحفي عضوا في الاتحاد ولكن بالضرورة أن يكون كل عضو في الاتحاد حاملاً لهذا القيد الصحفي.. في السابق كان منح القيد الصحفي في السودان من اختصاص المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية وهو هيئة حكومية يتم تعيين رئيسه وأمينه العام وعدد من أعضائه بقرار جمهوري يصدره رئيس الجمهورية، أما قانون الصحافة الساري الآن الصادر في العام 2009م، فقد منح هذا الحق للاتحاد وكان هذا نصراً كبيراً للصحافة السودانية في إطار تعزيز مهنيتها.. لكن هناك تيارات حكومية لم يعجبها هذا الوضع ودارت (معركة) بين الاتحاد والمجلس في محاولة من الأخير نزع هذا الحق من جديد وإعادته للحظيرة الحكومية.. هناك اتفاق على تعديل قانون الصحافة الحالي، لكن كل طرف من الطرفين يريد تعديلات في اتجاه مغاير للآخر، وانعقدت لجنة مشتركة بين الاتحاد والمجلس والبرلمان لتقديم مقترحات التعديل.. المجلس يريد تعديلات تفضي إلى نزع القيد الصحفي من الاتحاد، بينما يريد الاتحاد تعديلات تمنع جهاز الأمن من مصادرة وإغلاق الصحف واعتبار قانون الصحافة والمطبوعات المرجعية الوحيدة التي تنظم عمل الصحافة.. وأعلن اتحاد الصحفيين انسحابه من اللجنة متهما المجلس بتضمين مقترح سحب القيد الصحفي من الاتحاد من وراء ظهره (مستغفلا) أعضاء اللجنة من البرلمان وأصدر الاتحاد بيانا (ناريا) عقب اجتماع عقده المكتب التنفيذي جاء فيه أن الاتحاد يؤكد تأييده التام لموقف قيادة وأعضاء الاتحاد في لجنة صياغة قانون الصحافة بالبرلمان بالانسحاب من أعمال اللجنة طالما أن المشاركة تعرض حقوق الصحفيين ومكتسبات اتحادهم للهدر.. حالياً تم تجميد تعديل القانون وفي ذلك (انتصار) جزئي للاتحاد ويبقى التهديد باقيا والمعركة مستمرة. عموماً كانت الورشة ملتقى عربياً ناقش قضايا مهمة.. ميزة المنظمات الأجنبية مثل (فريدش إيربت) تصوب أهدافها بشكل دقيق وبأقل التكاليف، وفي المقابل نلاحظ أن المؤسسات العربية تصرف كثيراً على العديد من الأنشطة ولكن من دون تصويب دقيق ومخرجات مقنعة وربما أنشطة غير ذات أولية والمستفيد الوحيد هم (مقاولون) ليس لديهم علاقة بالنشاط المعني سوى السعي لجني أموال طائلة من وراء إقامة مثل تلك الأنشطة ولذا نلاحظ التبذير دائما سيد الموقف دون نتائج تذكر. المصدر: الشرق 13/10/2012م