تماماً كما غضَّ المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية الطرف – عمداً – عن المجازر والانتهاكات البشعة التى نفذها قطاع الشمال فى مدينة كادوقلي مؤخراً وقتل النساء والأطفال جهاراً نهاراً وعلى مدي ثلاثة ايام تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، فإن المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية أيضاً يغضّون الطرف حالياً عن نشاط محموم تقوم به مجموعات من القطاع لتجنيد الأطفال قسرياً فى مناطق عديدة من ولاية جنوب كردفان. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا المنحى الى ان منطقة (ريدا) تشهد هذه الايام حركة دؤوبة من قبل بعض متمردي جبال النوبة لتجنيد أكبر قدر متاح من الأطفال الايفاع، خاصة مع قرب فك إرتباط الحركة الشعبية الحاكمة فى جوبا مع ما يسمي بقطاع الشمال، والحاجة الملحة للدفع بعناصر جديدة غضّة لتكون نواة لجيش المتمردين. وتجري عملية التجنيد القسري بإتباع وسائل يمكن أن نطلق عليها وسائلاً وحشية بمعني الكلمة، حيث تتم عمليات دهم للقرى والفرقان وتحت تهديد السلاح يتم نزع الاطفال بين سن ال9 و 15 من عائلاتهم وإخبارهم مسبقاً أنهم مطلوبون للتجنيد فى الجيش الشعبي بغية تحرير المنطقة وتكوين دولة مستقلة أسوة بما جري فى جنوب السودان. ويقول أحد أعيان منطقة (ريدا) مفضلاً حجب إسمه، إن قادة عسكريين من الجيش الشعبي يقومون بدخول البيوت عنوة ودون إستئذان وبمعيتهم أرتال من المتمردين يبحثون عن الاطفال. ويشير الرجل بعين دامعة الى أنه كان شهوداً على عملية نزع بالغة القسوة نفذها احد القادة ومعه 13 جندي مدججين بالاسلحة الأوتوماتيكية، حيث دخلوا منزلاً لأحدي الأسر التى فقدت عائلتها فى حادثة وقعت العام الفائت، وكان بالمنزل بالاضافة الى ربة الاسرة التى تعمل فى الزراعة 5 صبية تتراوح أعمارهم ما بين ال5 و ال17، طلب القائد من والدتهم السماح لهم بالالتحاق بما أسماها معسكرات تجنيد خاصة مزودة بكافة وسائل الراحة سوف يمنح فيها الجند مرتباً مجزياً، ويضمن عملاً. الأم رفضت كل الاغراءات التى عرضها الرجل وأصرّت على أنها قدّمت والدهم واصبحت فى محله، وأن أطفالها يحتاجون اليها ولا تسمح بإلتحاقهم بالجيش الشعبي. لم ينتظر المتمرد القاسي القلب بقية ما تقوله الأم المفجوعة واشار بعينه اشارة ذات مغزى لأحد الجنود وما كان من الأخير إلاّ وأن إنتزع الصبية الخمسة تحت صراخ أمهم وألقى بهم خارج المنزل, وشرع فى تقييدهم بحبال أعدت خصيصاً لهذا الغرض ثم حملوا على سيارة دفع رباعي وهم يصرخون والأم تصرخ، والجندي يلهب ظهر الاطفال بسوط لاهب تقطعت له نياط قلب الأم المكلومة. كان الجميع يرى المشهد ولا يستطيع ان يفعل شيئاً فاللغة السائدة هى السلاح الفتاك. ويقول الرجل ما تزال أصداء صرخات الأم وأطفالها تقطع قلبي وكأنّها صرخات الموت فى قاع بئر سحيقة. أحد العائدين من تمرد جبال النوبة قال لعمدة المنطقة ان أعداد الأطفال المجندين قسراً فى 7 معسكرات رآها بأم عينيه تجاوزت حتى مطلع شهر اكتوبر 2012 ال375 طفل، هم الذين أمكنه إحصاؤهم من واقع عمليات التمام والطابور اليومي صباحاً ومساء، هذا بخلاف معسكرات أخري فى أماكن خفية يسمع بها ولا يعلمها. ويشير العائدة الى أن المشكلة لا تقف فقط عند حدود هذه العمليات، ولكن هنالك دفعة أولى جري إعدادها حالياً تم تدريبها لعمليات شاقة وخطيرة لا تتناسب مع سن الاطفال, كما تم ترويض أجسادهم الغضّة للتعامل مع المنشطات ووسائل الحركة الاصطناعية والإستغناء عن الطعام الطبيعي. وهكذا، تبدو قضية تجنيد الاطفال فى جنوب كردفان أحدي اكثر المشاكل كارثية فى ظل الوضع الأمني الراهن، وفى ظل محاولة قيادة ما يسمي بقطاع الشمال خلق أزمة إنسانية أسوأ من تلك التى سبق وأن خلقتها الحركات الدارفورية المسلحة بمعاونة بعض المنظمات الأجنبية فى دارفور .