طوال الشهرين الماضيين عملت القوى المتمردة فى ولاية جنوب كردفان على تغيير تكتيكها الحربي، بعدما فشلت أكثر من 7 محاولات – منذ إندلاع التمرد فى العام الماضي – لاحتلال كادوقلي أو تلودي أو أيِّ مدينة ذات وزن فى الولاية الشاسعة المساحة المعقدة الجغرافيا والتضاريس. تغيير المتمردين للتكتيك جاء على سياق مختلف وهو محاولة إخراج مواطني الولاية بشتى السبل من داخل مدنهم وإجبارهم على اللجوء إما لمناطق مجاورة داخل دولة جنوب السودان لاقامة معسكرات لاجئين تتيح للمنظمات الدولية تصوير الاوضاع بأقصى درجات السوء؛ أو داخل المدن المجاورة بإقامة معسكرات تتيح هى ايضاً الحديث المعروف عن النزوح والنازحين. ولإنفاذ هذا التكتيك فقد إنتهجت قوى التمرد نهج القصف العشوائي بصواريخ الكاتيوشا إعتباراً من سبتمبر الماضي، وقد تلقت كادوقلي وحدها طوال هذه الفترة ما يجاوز ال 21 دانة وصاروخ سقطت فى الأسواق، وفى داخل الأحياء وسقط فى الموجة الأولى عدداً من النساء والاطفال وصل عددهم الى حوالي 22 ضحية! اسلوب القصف العشوائي بصواريخ الكاتيوشا جاء على إعتبار انها عالية الصوت، بما يثير الذعر وسط المدنيين، كما أنها قصيرة المدى تتيح لمطلقيها البقاء قريباً من الهدف لمزيد من التأثير والتحقق من النتائج فى اللحظة ذاتها. الجيش السوداني الذى درس العملية جيداً ومن كافة جوانبها، إستطاع بجهد بسيط أن يتوصل الى أماكن تمركز الآليات التى تُطلق منها الصواريخ وتمكن فى وثبة واحدة من تدمير حوالي 6 مناطق خارج المدينة وقريبة منها، كان حملة السلاح قد إتخذوها مركزاً لهم لإدارة العملية، وقد أدى ذلك – وبسرعة فائقة – الى إفشال الاسلوب المستحدث ومن وقتها - وقبل حوالي 10أيام - سكتت مدفعية الصواريخ الى الأبد. لقد كان هذا الأسلوب الذى إنتهجه المتمردون واحداً من بين سيناريوهات عدة قاموا بتجربتها تباعاً بغية فتح ثغرة فى جدار الولاية لإضعافها عسكرياً من جهة، وإفراغ المدينة بإعتبارها حاضرة للولاية من مواطنيها من جهة أخرى. والي جنوب كردفان أحمد محمد هارون خاطب مؤخراً المصلين فى مدينة كادوقلي منبِّهاً ومنوِّهاً الى أنَّ سيناريو دارفور من المستحيل ان يجري فى جنوب كردفان وفى ذلك إشارة على أية حال الي ان حكومة الولاية على دراية تامة بالهدف النهائي لكل هذه التحركات، وهو ما يجعل من مهمّة المتمردين عسيرة للغاية. وبالطبع لا تقف أزمة جنوب كردفان عند حدود هذا العمل التكتيكيّ وحده، ولكنها يمكن أن تمتد الى سوء التقدير عند البعض من الذين يطالبون بإقصاء الوالي وإستبداله بآخر، إذ يبدو هذا الطلب المتزامن مع تكتيك المتمردين بمثابة إسناد للمتمردين حتى ولو حسنت نوايا المطالبين، وحتى ولو كان قصدهم المصلحة العامة، فالوالي وبصرف النظر عن أيّ موقف يقفه البعض حياله، هو حاكم منتخب، ومن ثم لا مجال للحديث عن إبداله – ببساطة – لأن الذي تولى إختاره ووضعه فى هذا الموقع هو شعب الولاية، والولاية الآن تخوض حرباً ضروساً يكذب من يعتقد أنها مجرد عمل مسلح عادي ومألوف. هنالك دعم غير محدود من جهات اقليمية ودولية تقف وراء المتمردين تحت ذرائع وأهداف شتّى أقلّها إشاعة عدم الاستقرار فى الولاية يتيح لهذه الجهات استخدامها كورقة، ونحن جميعنا نري ونشهد كيف ان الولاياتالمتحدة تتلاعب بعلاقاتها مع السودان منذ عقود، فقط بإستخدام أوراق الجنوب حتى اذا إنقضت أزمة الجنوب، أخرجت ورقة دارفور، وحتى إذا انقضت ازمة دارفور أخرجت ورقة الشرق، ثم عادت الآن – ودون أن يطرف لها جفن – تعبث بورقة جنوب كردفان ومداخلها الانسانية وقضايا المساعدات الانسانية والقصف الجوي والمسلسل المطول المعروف. إن الحكمة الانسانية من واقع خبرة التاريخ الطويلة تقرر ان التاريخ لا يعيد نفسه، وما من شك أن مطمع إعادة أزمة دارفور وسيناريوهاتها البشعة فى جنوب كردفان هو أمر مستحيل، ولكي ندلل على ذلك فإن واشنطن لديها قمراً إصصناعياً وبحوزتها صوراً حاضرة، لماذا إذن لا تكشف عنها إن كان فيها ما يدين الحكومة السودانية؟