ربما إستغرب المتابعين لشأن المعارضة السودانية أنه وعلى ضخامة الوثائق التى وقّعوها طوال السنوات العشرين الماضية بهدف إنشاء تحالفات والتواثُق لإسقاط الحكومة القائمة فى الخرطوم، إلا أنهم ما زالوا (يوقعون) على المزيد منها بلا كلل أو ملل، ففي غضون أيام ربما يوقعون أحدث وثيقة للبديل الديمقراطي، وهى الوثيقة التى ما يزال الجدل محتدماً بشأنها فى أروقتهم على الرغم من أنهم قبل حوالي شهرين وقعوا (وثيقة مشابهة) أو ربما كانت تلك الوثيقة (وثيقة مبدئية) شبيهة بالعربون الذى غالباً ما يدفعه (المشتري) (للبائع) لتأكيد البيع! وبالطبع ليست المشكلة هنا فى كثرة هذه الوثائق السياسة وكثرة التوقيعات بالأخضر حيناً والأزرق والأحمر؛ فربما لا يعرف الكثيرون ممن لم يطلعوا حتى الآن على هذه الوثائق أنها تبدو رائعة المظهر، باذخة الجمال وهنالك متخصصون -فى هذا المجال- يضفون عليها لمسات رائعة بالفعل تستلفت الانتباه لكل من تقع بين يديه! ولمن لا يعلم أيصاً يحرص أحد الساسة الذين تستهويهم هذه (الحفلات) على أن يتم إحضار أغلفة من نوع خاص قيل إنها تستورد بطريقة (خاصة جداً) من إحدى دور النشر الألمانية فى برلين، لا تروق له الوثيقة إلاّ حينما تُغلف داخل هذا الغلاف الخاص! ويحرص عى إقتناء 10 نسخ منها ليحتفظ بها فى أرشيفه الخاص. قيادي آخر قيل إنه كثيراً ما يتسبّب فى إنهيار عملية التوقيع أكثر من مرة لإصراره على وضع توقيعه بصورة غريبة، فهو يظل يتأمل توقيعه لدقائق حتى اذا لم يرق له طلب إعادة نسخ الوثيقة ليكرر توقيعه من جديد! وقال -دون أن يطرف له جفن- تعليقاً على حرصه الغريب هذا أن الأمر يتعلق بالتاريخ، إن هذه الوثائق ربما تجد طريقها (يوماً ما) الى دار الوثائق القومية! وتشير متابعات (سفاري) وحرصاً منها على معرفة كواليس هذه الوثائق التى ما فتئت تتدفق على الساحة السياسية السودانية الى ان أحد القادة عمِل على إعداد دولاب بثلاث أبواب فى غرفته الخاصة لوضع وثائق إسقاط الحكومة عليه، يحرص على تنظيف الدولاب يومياً ونفض الغبار والتراب عنه حتى تظل الوثائق على نحو جيد وصالحة للعرض عند الطلب! والواقع ان القادة السياسيين فى المعارضة السودانية ضربوا رقماً قياسياً فى كتابة وتوقيع وثائق التحالفات الهادفة لإسقاط الحكومة السودانية. وتقول مصادر مطلعة فى حزب الامة القومي ان ما رصدوه من وثائق حتى الآن -لأغراض التوثيق- فاق ال670 وثيقة مع مختلف القوى السياسية والقوى المسلحة فى دارفور! والغريب –بحسب ذات المصادر– أنه لا توجد وثائق موازية تشير الى ما أمكن تنفيذه من هذه الوثائق أو لم يُنفّذ، ولا وجود لأسباب عدم التنفيذ والأهدي وأمرّ ان قيادياً شهيراً فى الحزب -قبل أشهر- همسَ فى أذن زعيم الحزب -بحسب ذات المصادر- بضرورة التخلص من هذه الوثائق سواء ما كان منها فى الحواسيب أو على الورق لأنها -تاريخياً- دليل إدانة للحزب كونه يوقع الوثائق ثم لا يفعل شيء! غير أنَّ زعيم الحزب زجره ناعتاً له بعدم الخبرة والمعرفة السياسية! وعلى صعيد بعض قوى اليسار فإن بعض القيادات الوسيطة -غير الظاهرة- وفق متابعات (سفاري) قيل إنها استفادت من بعض هذه الوثائق فى محاصرة بعض قادتها فى قضايا فكرية؛ الأمرالذى جعل هؤلاء المحاصرين يفكرون فى التخلص من هذه الوثائق بطريقة خاصة جداً. ولعل الأمر الملاحظ فى هذا الصدد ان كل هذه الوثائق السياسية ليس فيها آليات فاعلة وهو أمر يرجعه القيادي المعروف فى احد الأحزاب اليسارية (ش.خ) الى أنها (مجرد أوراق) الهدف منها إخافة الحكومة السودانية وإشعارها بأنّ المعارضة تعمل! غير ان أكثر ما يمكن ان تقشعر له أبدان القراء، ان كل القوى التى توقع على هذه الوثائق تقول فى إجتماعاتها التنظيمية الخاصة أنها (غير مقتنعة) بما فعلت، فهي مغلوبة على أمرها ولا تجد حظها من القبول السياسي لدى المؤتمر الوطني، لذا تضطر لازعاجه وإقلاقه بمثل هذه التحالفات المكتوبة في وثائق. ولعل كل من يتابع هذا الملف السريالي الذى يمزج ما بين الكوميديا والترجيديا، يقف حائراً تماماً حيال هذه الأرتال من الوثائق التى كُتبت من أجل إزاحة السلطة الحاكمة، ومع ذلك ورغم ضخامتها، ورغم ما يُبذل فيها من جهد يمتد أحياناً لسنوات مثل وثيقة البديل الديمقراطي إلا أنها فى النهاية لا تساوي حتى قيمة طباعة هذه الوثائق وأغلفتها الفاخرة!