تمر مصر بلحظات عصيبة هذه الأيام، بعد قرار الرئيس محمد مرسي إصدار إعلان دستوري يمنحه سلطات واسعة ويقلص من سلطة القضاء المصري. والاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن تتسع في عدة ميادين، مع حشد التيارات المعارضة للإعلان لتظاهرة ضخمة غداً الثلاثاء، فيما يحشد "الإخوان" على الجبهة المقابلة لدعم «إعلان مرسي». هذه المعطيات، إضافة إلى التوتر السياسي بين الإخوان والقوى التي تحاول حماية الدولة من التحول إلى «حركة»، تشير إلى مخاطر حقيقية وتحديات لا يمكن التبسيط منها، فالبورصة المصرية فقدت 9% من قيمتها على خلفية الأزمة الحالية، وهناك تعطيل لمصالح الناس، إضافة إلى سيناريو إعادة مصر إلى ما كان في عهد الرئيس السابق حسني مبارك: مرسي في السلطة، واحتجاجات تذهب إلى حد المطالبة بإسقاطه. وهناك حملة اعتقالات تطال المحتجين، واكتظ المستشفى الميداني الذي أقامه المتظاهرون على مدخل شارع جانبي من ميدان التحرير بالمصابين، وكأنّ شيئاً لم يتغير في مصر الثورة. من بين كل القراءات المتباينة والمتناقضة لقرار الرئيس مرسي، إلا انها المرة الأولى التي يتعرض فيها القضاء إلى ضربة يراد لها أن تكون قاضية، والواقع أن الإعلان الدستوري يجعل القضاء محكوماً بالرئيس، بغض النظر عن الدواعي الآنية الإيجابية من حيث إعادة محاكمة من تمت تبرئتهم من تهم قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير. إن سلك القضاء يجب أن يكون سلطة إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، وما نشهده لا يشير إلى أن هذا هو ما سيكون عليه الأمر مستقبلاً، وهذا يعني أنه لو جرت انتخابات الآن وطعن فيها القضاء، فإن القرار لن يكون نافذاً وفقاً للإعلان الدستوري. ولا يعني هذا أن مصر ستكون بلا قضاء قوي وأن الانفلات الأمني سيسود، وإنما فقط الرئيس أياً كان سيكون فوق القضاء، وسيشعر القضاة بأنهم معرضون للعزل، وهذا قد يؤثر على صدقية الأحكام التي تصدر عنهم مستقبلاً في القضايا السياسية المتعلقة بحل الأحزاب أو أية طعون انتخابية. ما نتمناه لمصر هو الاستقرار والتوافق بين أبنائها، ومشاركة سياسية جماعية في إدارة البلاد حماية لمصر الدولة والشعب. المصدر: البيان 26/11/2012م