فى الآونة الأخيرة وجراء تلاحق الأحداث فى السودان أصبحت المعادلة قائمة على فرضيتين: مواقع إسفيرية وأشخاص يطلقون شائعات بمعدل عالي فى الدقيقة الواحدة؛ وجهات حكومية مختلفة تضطر للنفي والتكذيب. المعادلة بدت للكثيرين غير مقبولة خاصة فى ظل تداخل الأحداث وتصاعدها. الحكومة السودانية ربما خطؤها السياسي فى أنها لم تعمل على توحيد قنوات التصريحات حتى تكون المعلومة -على صغرها وقلّتها- مضبوطة على موجة واحدة. المناوئون للحكومة السودانية، تمادوا فى خطأ شديد الخطورة بإصرارهم على ملاحقتها بالشائعات والأخبار المضلِّلة بما يبدو أنهم وجدوا راحةً فى ما يفعلون، فلم يفكروا فيما قد تؤول اليه تكتيكاتهم هذه حين تتكاثر هذه الشائعات وتبلغ ذروتها فيرفض الذهن الجمعي للسوداني -بذكائه المعروف- استقبال هذه الأكاذيب، وقد تصل الأمور بالنسبة لمطلقي الشائعات درجة خطيرة للغاية بحيث يستحيل بعدها تماماً على كل من يستمع اليهم أن يصدِّقهم حتى ولو كانت المعلومة المشاعة صحيحة كلها أو حتى فى جزء منها. بمعني أدق، فإن خاتمة المطاف لمطلقي الشائعات افتقادهم للمصداقية فضلاً عن توقف الناس عن الاستماع اليهم، وبالتالي إنهيار كل جهودهم الإعلامية دفعة واحدة. وهذا فى الواقع ما بدأ يحدث بالفعل ولسنا فى حاجة لإيراد الأدلة عليه، إذ يكفي ان العديد من المواقع التى تولت هذه المهمّة الخاسرة تراجع متصفحوها تراجعاً مريعاً، والسبب فى ذلك بسيط للغاية، وهو ان عشرات الشائعات التى أطلقتها هذه المواقع ثبت عملياً وبأدلة ناطقة من قبل الذين أصابتهم الشائعة أنها مجرد شائعة. الأمر الثاني انه وعلى خصوبة خيال مطلقي الشائعات، فإن المعين بدأ ينضب، إذ أن بوسع كل من يكذِب ويطلق لخياله العنان فى رسم صور ولوحات غير حقيقية يستطيع الاستمرار فى ذات الطريق إذ ليس فى مقدور إنسان كائناً ما كان ان يغيِّر الحقائق الكونية ويقلب الأمور رأساً على عقب بإستمرار. ولعل هذا ما دعانا للتساؤل عن سبب شح أو حتى غياب المعلومات والحقائق بصورة مُشبِعة ما عُرف بالمحاولة التخريبية. فى حديثها ل(سودان سفاري) قالت مصادر سياسية رفيعة فى الحكومة السودانية فى الخرطوم عبر الهاتف ان المسألة لا تعدو كونها مسألة تحقيق يجري فى هدوء ويحتاج قدراً من السريّة والوقت شأنه شأن أيّ تحقيق فى جريمة خطيرة موجهة ضد الدولة. وقال المصادر السياسية ذات الخلفية القانونية المعروفة، إن التحقيقات التى تجريها الشرطة عادة فى أقسامها المختلفة بشأن أىّ جريمة من الجرائم العادية التى تقع من الأفراد العاديين تُحاط عادة بالسرية ويُراعى فيها عدم التناول الاعلامي تفصيلاً حتى لا يضر ذلك بسير التحرِّيات أو يؤثر على موقف متهم هو بريء حتى تثبت إدانته أو يبرئ متهم متورط فى الجريمة، فما بالك بجريمة خطيرة كهذه من بين خططها ومراحلها، خطط خاصة بإغتيال وتصفيات وعمليات تخريب! وأضافت المصادر ان التحقيقات الجارية تمثل ضمانة للكافة، كونها لا تضع فى الاعتبار الأشخاص، أو ضرورات الطرح عبر الاعلام أو تمليك المعلومة، لأنّ الأولوية القصوى هنا لكشف عناصر الجريمة ومحاسبة المتورطين فيها بمعيار القانون وليس بأيّ معيار إنساني أو إجتماعي أو سياسي من أيّ نوع . وعلى ذلك فإن الأمر يبدو بالنسبة لنا فى سياقه الطبيعي، فالجريمة وفق ما توفر من إستدلالات أشارت اليها التحريات الأولية خطيرة دون شك، ولكن بالمقابل فإن طرحها عبر الاعلام فقط لمجرد الرغبة فى إحاطة الرأي العام بكافة جوانبها ليس هو الهدف المطلوب الآن. ومن المحتّم ان الحقائق كاملة سوف تتجلّى تفصيلاً فى مرحلة قريبة قادمة لا محالة.