قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام (هيرفي لادوس) إن عدم ضخ النفط الجنوبي وتصديره سيؤثر سلباً على إقتصاد دولة الجنوب واستقرارها الاجتماعي. وقال (لادوس) فى أحدث تقرير له قدمه لمجلس الأمن الدولي الاسبوع الماضي (إن التأخير فى إستئناف ضخ النفط الجنوبي ليس من شأنه التأثير فقط على مشاريع التنمية الحكومية، ولكنه سيؤدي الى توترات بين المكونات المختلفة للحكومة الجنوبية بما فى ذلك الأجهزة الأمنية). ويأتي هذا التحذير الأممي فى الوقت الذى بدت فيه الحكومة الجنوبية غير عابئة كثيراً بإنفاذ إتفاقية التعاون المشترك الموقعة بينها وبين الحكومة السودانية فى 27 سبتمبر الماضي، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ففي الوقت الذى تقول فيه الخرطوم ان جوبا عرقلت إتفاق الترتيبات الأمنية وأن الملف الأمني هو الذى ينبغي ان يحوز على الأولوية، فإن جوبا زعمت أن الخرطوم تحمِّلها ما لا طاقة لها به حين تطلب منها نزع سلاح المليشيات الموجودة على الحدود فى المنطقتين! وسواء صحَّ هذا الزعم أو ذاك، فإن ما يُستشف من واقع النزاع الدائر بين الطرفين وما أورده (لادوس) فى تقريره المشار اليه هو أن جوبا بإثارتها للغبار حول الإتفاقية تلحق بنفسها أضراراً خطيرة للغاية دون أن تأبه لها؛ فالتحذير الأممي دون شك يضيئ شارة حمراء للمجتمع الدولي بشأن كارثة أمنية وإجتماعية تنتظر فى الدولة الوليدة. وبالطبع لم يتعرّض التقرير لدوافع جوبا جراء عدم إهتمامها بإتفاقية التعاون المشترك وبحثها عن الذرائع غير المنطقية فى عدم إنفاذها، ولكن كان واضحاً أن التحذير الأممي كان بمثابة صافرة حادة الصوت عليها أن تخترق الآذان والأسماع لينتبه المجتمع الدولي ويشرع فى إيجاد حل. ربما لهذا السبب رأينا المبعوث الأمريكي الخاص برنستون لميان يتجه الى الخرطوم ليلتقي عدداً من المسئولين السودانيين ويستمع اليهم في مسلك دبلوماسي نادر للغاية بغية تلمس وسيلة ما للخروج من هذا المأزق. ومن المؤكد ان هنالك ما يلح بشدة على الأممالمتحدة لكي تنطوي صفحة الخلاف بين جوباوالخرطوم ويعاود النفط تدفقه على الأنابيب السودانية الى الخارج. فمن جهة أولى فإن الأممالمتحدة معها الولاياتالمتحدة وبعض الدول الغربية ومنذ توقف النفط الجنوبي والي الآن يقدمون دعماً سنوياً للحكومة الجنوبية يصل الى ما يقارب المليار دولار لسد العجز فى الموازنة العامة الجنوبية التى تعتمد بصفة اساسية على النفط! ولا شك ان المبلغ كبير ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل مجارة جوبا فى وضع كهذا من الممكن معالجته فقط بإستئناف ضخ النفط عبر الموانئ السودانية، فالمجتمع الدولي فى الواقع لا يجد أدنى سبب قاهر يحول دون تدفق النفط الجنوبي وتصديره ويعلم أن الأمر فى جوهره شأن سياسي خاص بجوبا فى سياق نزاعها التاريخي المرير مع السودان. وربما إختلف الأمر أو كان مقبولاً لو كانت قد حلت كارثة طبيعية على دولة الجنوب عرقلت عملية الضخ، ولكننا حيال أزمة يمكن وصفها بأنها مُفتعلة ولا ترقى لمستوي الأزمة الحقيقية التى تستوجب الدعم والمؤازرة من جانب المجتمع الدولي. ومن جهة ثانية فإن حرص الأممالمتحدة -من واقع سطور التقرير- على ضرورة معاودة ضخ النفط الجنوبي تجنُباً لما وصفته توترات ستلحق بالمكوِّنات الأمنية فى الحكومة الجنوبية فيه إشارة واضحة وخطيرة الى إمكانية تفجُّر الاوضاع فى الدولة الوليدة بما قد يفوق طاقة المجتمع الدولي على إحتوائها مستقبلاً، وهو أمر ثير حساسية شديدة لدى الأممالمتحدة بصفة خاصة التى صرفت ولا تزال تصرف الملايين من الدولارات منذ ما يجاوز العقدين من الزمان فى المنطقة، أملاً فى التوصل الى قدر من الأمن والاستقرار فيها. هاجس الأممالمتحدة الأمني فى الواقع ليس تقديرياً أو جزافياً بقدر ما هو مبني على حقائق على الارض لمستها بنفسها من واقع تواجدها المستمر هناك منذ عقود. وأخيراً فإن الاممالمتحدة ربما أرادت إرسال رسالة الى جوبا مفادها أنها عليها وحدها -أى جوبا- تدبُّر حالها طالما كانت دولة تمتلك مورداً نفطياً جيداً، إذ ليس من المعقول -مع كل هذا المورد الدفاق- أن تمد يدها وأن تبحث عن الدعم وما لديها يكفيها ويزيد!