بدأ السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي ومرشحه الرئاسي حملته الانتخابية بمنهج بالغ الضعف والهشاشة اعتمد فيه اسلوباً (دفاعياً) مشوباً بغضب ظاهر وباطن جراء ما قاله مرشح الوطني البشير لدى تدشين حملته الانتخابية بشأن الحالة (المعيشية والمالية والأمنية) المتردية التي كان عليها الحال في الع1989ام في ظل حكومة إئتلافية كان يترأسها في ذلك الحين السيد الصادق المهدي. لقد جاء برنامج المهدي بكامله بلا جديد، بل ان الرجل أعاد للأذهان ما عرف عنه وقتها من كثرة في الكلام والحديث الطويل النظري دون فعل حقيقي. ولكي لا نتجنى على الرجل ونحن نراقب ونتابع حملات المرشحين الرئاسيين الانتخابية فإننا نأخذ بعض مما جاء في برنامجه، وبعض ما برر به في سياق دفاعي الحال التي كان عليها السودان في الع1989ام. لقد كان واضحاً تماماً – حتى أن ذلك أثار دهشة بعض الاعلاميين – أن المهدي اعتورته حالة غضب جراء حديث مرشح الوطني البشير عن صفوف الخبز الطويلة وصفوف الوقود وخواء خزينة البلاد إلا من مائة ألف دولار. وقد كان من الممكن أن يتصالح المهدي مع نفسه ومع هذه الحقائق ويقر بها، بصرف النظر عن الأسباب فهي حقائق حتى ولو لم يقلها البشير فإن الجيل الذي عاصر تلك الحقبة يشهد بها ويقشعر لها بدنه الآن كلما تذكرها فحكومة المهدي النيابية التي جاءت بارادة شعبية قضت ثلاثة أعوام لم تستطع خلالها توفير الخبز والوقود للمواطنين السودانيين، فقط الخبز والوقود لا أكثر ولا أقل دعك من الأمن والتمرد الزاحف على المدن وسقوط المدن الواحدة تلو الأخرى والمهدي يرأس الحكومة ويتولى وزارة الدفاع!! لقد كانت قسمات المهدي الغاضبة وهو يرد على هذه الحقائق هي وحدها كافية ليرى الناخب السوداني مقدار المتاهة التي سوف يتعين عليه الدخول فيها اذا قُدر للمهدي العودة مجدداً لسدة الحكم وكان الامر المؤسف أن المهدي وعلاوة على غضبه غير المبرر تحدث عن ما أسماه صفوف أخرى أكرم منها صفوف الخبز والوقود وهي صفوف النازحين والمشردين والشحاذين!!، وللقارئ المتأمل أن يعقد مقارنة بين الأمرين وليقل لنا الامام المهدي أنه في عهده لم يكن هناك نازحين ولا مشردين ولا شحاذين ولعل الرجل وبفعل عوامل الزمن نسى صحيفة سياسية يومية كان اسمها (الشماسة)!! وللقارئ أن يتأمل في سبب صدور صحيفة خاصة باسم الشماسة ليعرف حجم المشردين والشحاذين والنازحين والعاطلين عن العمل في ذلك الحين مع أن الظروف الدولية والاقليمية وقتها بل حتى عدد السكان وقتها لم يكن بهذا الحجم، وربما نسى المهدي ايضاً صفوف جنود القوات المسلحة في عهده وهم بلا ملابس ولا أحذية دعك من الأسلحة، وربما نسى أيضاً صفوف (الرخص التجارية) وما فعله الوزير الأشهر أبو حريرة وقام حزب المهدي باخراجه (عنوة) من الوزارة!! واذا تمعنا في بقية البرنامج فإن المهدي تحدث عن اعتماد سياسة التحرير الاقتصادي!! ثم اورد منجياته العشرة التي أضحكت الحضور لأنهم فضلوا الاستمتاع بالعبارات المضحكة التي يعرفون أنها ليست برامجاً جادة. لقد كان المهدي يقود حملة (للدفاع عن حقبة حكومته) ولا هو استطاع الدفاع، ولا هو جاء بجديد يجعل الناخب السوداني يغفر له ما مضى ويجرب حظه معه من جديد!!