من المتعارف عليه فى التقاليد و الاعراف الانتخابية ان الحملات الانتخابية هى عبارة عن برامج واقعية جادة و مخلصة بالامكان ترجمتها الى سياسات عملية ملموسة حين يصل المرشح الى السلطة و يفي بوعوده . و قد بدأت الحملة الانتخابية للإنتخابات السودانية المقرر لها الحادي عشر من ابريل المقبل – بدأت هذه الحملة فى الثالث عشر من شهر فبراير الحالي .و لو أقصينا الجانب الاحتفالي و زخم اللقاءات الجماهيرية لأنها لا تعتبر بأى حال جزءاً من عناصر الفوز، فان اطروحات المرشحين الرئاسيين – للأسف الشديد – حتى الآن لم تلامس عصب القضايا السودانية و هى قضايا صعبة لا يمكن الاستهانة بها او التعامل بها كقضايا عادية . و الاكثر أسفاً ان المرشحين الرئاسيين – باستثناء المرشح البشير الذى نستثنيه لأنه لا يزال فى دائرة الفعل ، و قد ظل كذلك منذ ما يجاوز العقدين ، و الذى يكون فى دائرة الفعل السياسي فهو متصل بصورة مباشرة مع الواقع، إذ أن الكل- مؤيدين و معارضين - يرون و يشاهدون ما يؤديه . نقول ان المرشحين هؤلاء بخلاف الرئيس البشير لم يأتوا حتى الآن بجديد ،و حين نتحدث عن الجديد نعني ان الناخب السوداني يحتاج الى خيارات عديدة من حقه ان يتجول بين السلع السياسية المعروضة المختلفة ليختار فى النهاية ما يروقه و يري انه يحقق ما يصبو اليه ،و لعل هذا هو اصلاً مربط الفرس فى الممارسة الديمقراطية، إذ المقصود منها ان يكون امام الناخب كافة الخيارات التى تتيح له ان يختار افضلها بارادته الخالصة . من جانب آخر فان المرشحين مطالبين – طالما انهم أنسوا فى أنفسهم الكفاءة – ان يعرضوا برامجاً واقعية جادة و يشفعونها بأدلة تقنع الناخب ليقرر اختيارهم و منحهم ثقته. الآن وقد مضي حوالي الثمانية ايام على انطلاق الحملة الانتخابية و شهد الكل بأن وسائل الاعلام الرسمية تقسم بقدر وافر من العدل الفرص بين المرشحين ، لم نلمس مشروع سياسي جاذب من قبل المرشحين الجدد الذن يترشحون لهذا المنصب بالذات (رئاسة الجمهورية) للمرة الاولي ، فقد توزعت كل الحملة ما بين الحرص فقط على اسقاط المرشح البشير باعتباره هو الموجود الآن فى السلطة ،و ما بين (وعود) لحل مشاكل السودان (بسرعة و بسهولة) وما بين أحاديث معقدة لا يفهمها الناخب السوداني البسيط ، فقد نسي هؤلاء المرشحين ان غالب الناخبين السودانيين هم من عامة المواطنين و ليسوا من النخبة المثقفة و المستنيرة ، و نسوا ايضاً ان تجارب ماضية مريرة يعرفها هؤلاء الناخبين عن مرشحين بعينهم تجعلهم يسقطونهم من خياراتهم . ان أزمة الحملة الانتخابية الجارية الآن ليست في من يستطيع عرض نفسه (على نحو جيد) كما يفعل المرشحين الرئاسيين فى الولاياتالمتحدة – مع الفارق طبعاً – ولكن الازمة فى ان الناخب السوداني – على بساطته و وعيه السياسي العادي- لم يلمس سوي اتجاه من المرشحين لاسقاط مرشح رئاسي واحد و هذا- للمفارقة- عمل على قلب الفكرة نفسها فى الاتجاه المعاكس ، إذ بدأ الناخبون يتساءلون عن سر اصرار كل هؤلاء المرشحين على اسقاط مرشح واحد لأن من المؤكد ان الذي يجمع عدد من الناس ضده أنه ( قوي) ، و هكذا فمن حيث يريد المرشحين ان ينالوا ثقة ناخبيهم فهم أعطوا انطباعاً انهم يواجهون مرشحاً قوياً مسنوداً بجماهير ، وأعماله واضحة، باختصار فان الحملة الانتخابية بدت فى مجملها حملة مصالح لصالح مرشح الوطني .. الرئيس البشير !