من المؤكد أن السلطات السودانية تجري الآن تحقيقات واسعة النطاق للوصول إلى الحقائق المجردة بشأن مصرع أربعة من طلاب إقليم دارفور بجامعة الجزيرة وسط السودان الأسبوع الماضي. فقد أصدر وزير العدل السوداني محمد بشارة دوسة قراراً بتشكيل لجنة تحقيق في الحادث عهد بها إلى مستشار مرموق بالوزارة بمعية آخرين من أجهزة حكومية أخرى وباشرت عملها على الفور. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن اللجنة المكونة منحها الوزير سلطات وكيل النيابة في التحقيق والاستدعاء والقبض وإتخاذ أي إجراء بموجب قانون الإجراءات الجنائية السودانية لسنة 1991 بحسب ما ورد في متن القرار، وهى خطوة على جانب كبير للغاية من الأهمية حيث تكمن أهميتها في أن اللجنة يمتد عملها إلى حصر المتهمين أو المسئولين عن الحادثة وتحديد مسئوليتهم الجنائية، بحيث يقود ذلك في خاتمة المطاف -إذا دعا الحال- إلى فتح بلاغات في مواجهة كل من يثبت تورطه في الحادثة بأيّ درجة كانت مهما كان موقعه ومهما كانت طبيعة عمله وسلطاته. ومن ثم فإن لجنة التحقيق -بهذا المفهوم- تختلف إختلافاً بائناً عن لجنة تقصي الحقائق، فلجان التحقيق في مثل هذه الأحوال لها صلاحيات وإختصاصات جنائية تضاهي صلاحيات وإختصاصات وكيل النيابة في القبض والتحري والإحالة إلى المحاكمة مع توجيه التهمة؛ بينما لجان تقصي الحقائق في العادة يكون هدفها معرفة ما حدث دون إيراد أيّ توصيف قانوني أو تحميل أيّ طرف مسئولية جنائية مباشرة. وعلى ذلك فإن مجرد الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق بقرار من الوزير المختص ومباشرتها لعملها فإن هذا ينبغي أن يضع حداً لأيّ ردود أفعال أو تداعيات للحادثة لأن الضرر المترتب على التظاهرات ومسيرات الغضب وغيرها أكبر من الحادثة نفسها، وهو أمر يتنافى مع مبدأ سيادة القانون ويحمِّل البلاد -على ما هي عليه- فوق طاقتها في الظروف الدقيقة التي تمرّ بها؛ ومما لا شك فيه أن الحادثة شكلت سانحة مواتية لأطراف سياسية تحاول الاصطياد في مياهها العكرة دون أدنى وازع من الوطنية. صحيح أن سقوط ضحايا من الطلاب -أيّاً كانت الملابسات- أمر غير مقبول، وصحيح أيضاً أن طلاب دارفور على وجه الخصوص عانوا جراء ما يجري في إقليمهم ما عانوا وما ينبغي أن تزداد معاناتهم، ولكن بالمقابل ليس من حق الذين يستغلون الحادثة إعطائها أبعاداً بأكثر مما هي أبعاد جنائية سوف تطال من هم وراءها العقوبات المقررة في القوانين السودانية مهما طال الزمن أو بدت الأحداث معقدة أو غامضة، إذ لن يكون مجدياً أن يسود التوتر وتقع المواجهات بين الطلاب والشرطة، فلا الطلاب -بهذا الموقف- يمكن أن يحققوا سيادة القانون ومعاقبة الجناة، ولا الشرطة والسلطات السودانية المختلفة ستقف مكتوفة الأيدي حيال الذين يحصبون الدور والمحال التجارية والسيارات بالحجارة . كما أن الموقف في مجمله يتصل بقضية المصروفات الدراسية، وهى قضية شائكة على الرغم من أن طلاب دارفور يستحقون معاملتهم معاملة خاصة حيال هذه الرسوم، ولكن ليس معنى ذلك أن تكون المعاملة بهذا القدر العالي من التساهل والفوضى ويستغلها البعض – ممن ليسوا من طلاب دارفور – لجعلها جسراً يعبرون به إلى حيث أهدافهم ومآربهم.