بصراحة.. واعذروني اليوم لمثل هذه الصراحة.. عندما تطفو لسطح الأحداث بعض يومياتنا السياسية في بلدنا هذا.. يخامرني إحساس بالخجل الشديد.. والتعبير ليس مجازاً.. بل خجل بالمعني الذي يجعل العين تنكسر أرضا.. وأقول في نفسي.. ماذا يقول عنا الغرباء عندما يتفرجون علي ويوميات بلدنا؟.. السفراء من الدول الشقيقة والصديقة والأجنبية.. أو حتي المقيمون من الأشقاء أو الأصدقاء أو الأجانب في بلدنا.. وسبب خجلي.. إحساسي بأن الذي نعرضه أحياناً يدعو للسخرية والاستهزاء بحالنا.. يجعلنا (نكته) دولية ترويها الأمم لبعضها البعض من باب التسلية والترويح.. أتريدون أن أقدم لكم آخر نكاتنا الوطنية.. اسمعوا إذن.. بالأمس ظهر في بعض الصحف خبر غريب.. قرأته ثلاث مرات.. لما تعذر علي فهمه.. لكن مع ذلك لم أفهمه.. لكني بالضرورة ساورني إحساس (الخجل) إياه.. وتمنيت من قراره نفسي ألا يتمكن أجنبي في بلدنا من الحصول علي أي نسخة من أي صحيفة حتي لا يقرأوا الخبر إياه.. الخبر يتحدث عن دعوة من الأستاذ ياسر عرمان لضباط الحركة للخروج من جهاز الأمن والمخابرات الوطني.. والسبب طبعا احتجاجاً علي الشد والجذب الذي دار في المجلس الوطني خلال جلسات النظر في إجازة قانون الأمن الوطني.. الغرباء.. في بلدنا عندما يقرأون مثل هذا الخبر سيفركون أعينهم جيداً.. قبل أن تداهمهم حالة الملهاة الضاحكة, بين ثنايا المأساة العابسة.. جهاز الأمن والمخابرات الوطني.. هل هو مقسم في الداخل. حركة ووطني؟؟ وهل يرتبط كل (فريق!) منهم بحزبه السياسي.. إذا قال له أخرج.. خرج.. وإذا قال له أدخل.. دخل..!! وهل تخضع الأجهزة النظامية- في كل الدنيا- في الضبط والربط.. لتعليمات الساسة عبر الصحف.. والإعلام.. خروجاً.. ودخلاً.. الضباط من أبناء الإقليم الجنوبي الذين انضموا للأجهزة النظامية.. الأمن والشرطة والجيش.. إذا تعاملوا مع مثل هذه المراثي الطريفة.. فان المشكلة لن تكون في المستقبل أجهزتهم النظامية أو لا.. المشكلة ستكون قي المستقبل القريب.. عندما – ربما- تضطرهم ظروف الانفصال أن يعودوا إلي الجنوب ويكونوا مسؤولين عن الأمن في بلدهم.. هل سيديرون أجهزتهم بنظام (الكوتة).. أبناء الدينكا.. الشلك.. النوير.. وبقية القبائل.. وعندما يغضب عزيز علي الحكومة- حكومة جنوب السودان – يأمر ضباط قبيلته ب(الخروج).. مثلما فعل السيد ياسر عرمان.. فيخرجوا.. المشكلة لن تكون في أمن الشمال.. ستكون في أمن جولة الجنوب القادم.. إذا كانت دعوة عرمان تستحق الإجابة.. قلت لكم في مرة سابقة.. أن تدخل الساسة في أجهزة الحتمية الحساسة.. لا أقرب لوصفه من الآية الكريمة (إن الملوك إذا اخلوا قرية.. أفسدوها..) وكذلك الساسة.. إذا تدخلوا في عمل أجهزة.. أفسدوها..!!