بالطبع نحن هنا لا نعتمد اسلوب المبالغة حين نقول ان الحركة الشعبية هي الآن بالفعل تعيش مأساة وتراجيديا إنتخابية، حتى قبل أن تبدأ عمليات الاقتراع، والأمر الأكثر تعميقاً لهذه المأساة أن ما تبقى من وقت لا يسعفها على الاطلاق لتفادي ما هو واقع عليها لا محالة اللهم الا في حالة واحدة فقط وهي أن ترتضي التحالف مع شريكها المؤتمر الوطني بدلاً من أن تقدم رجلاً وتؤخر رجلاً إزاء حلفائها في ملتقى جوبا. المأساة الانتخابية الأولى تتمثل كما هو معروف في أن هنالك (350) قيادياً بالحركة خسرتهم في الاسبوعين الماضيين وأصبحوا مرشحين مستقلين لا علاقة لهم بالحركة، وهؤلاء المستقلين هم بالطبع واثقون من فوزهم والا لما ضحوا بانتمائهم التنظيمي وترشحوا كمستقلين، وفي ذات الوقت فإن فوزهم سوف يأتي خصماً على مرشحي الحركة بمعنى أوضح ومباشر فإن الحركة الشعبية مجابهة بعضوية كبيرة في مجلسها التشريعي الاقليمي في الجنوب وفي ولاياتها العشر ليسوا من الحركة، أي أنها لن تحكم جنوبها نفسه لوحدها دعك من أن تحكم السودان أو تشارك في حكمه على المستوى القومي. وقد أدركت الحركة طبيعة هذه المأساة وتداعياتها المفجعة المحتملة اخيراً جداً وبذل أمينها العام باقان أموم جهوداً جبارة للغاية لمحاولة اعادة هؤلاء المستقلين الى التنظيم وسحب ترشيحاتهم ولكنه لم يوفق ووصل به الامر – لمرارته وفظاعته – درجة أن عرض استقالته اذا كان ذلك يرضي هؤلاء المرشحين ولكنهم ايضاً رفضوا، ولا يعرف حتى الآن ما هو العلاج الناجع لهذا الداء الوبيل وكيف ستواجهه الحركة مع اقتراب موعد التصويت في أقل من شهرين. هذه مأساة أولى، المأساة الثانية فإن الحركة سبق وأن استهانت استهانة ما بعدها استهانة بالقيادي المعروف د. لام أكول حين أقصته من منصبه كوزير للخارجية متهمة إياه بانفاذ سياسات المؤتمر الوطني!!، فقد استطاع د. لام المعروف بذكائه السياسي أن يضع اصبعه كما يقولون على قصبة الحركة الهوائية حين قام بتكوين حزب تحت مسمى (التغيير الديمقراطي) ورشح نفسه رسمياً لرئاسة حكومة الجنوب حيث تشير مصادر مطلعة عديدة بأن ترشيح د. أكول يؤرق الحركة أرقاً بالغاً على الرغم من أنه المرشح الوحيد المنافس للفريق كير ومن الممكن أن يفوز د. لام أكول بالمنصب تأسيساً على فوز المستقلين المنسلخين عن الحركة وبذا تجد الحركة نفسها (في العراء). هذه مأساة ثانية، أما المأسا الثالثة فهي فقدان الحركة لتحالفها التاريخي مع النوبة الذين قاتلوا في صفوفها حيث أدركت الحركة متأخراً جداً أنها وحين تقاسمت السلطة لم تمنح النوبة مناصباً مرموقة، والآن حين آن أوان الانتخابات وجدت أن المؤتمر الوطني ومنافسين آخرين ينافسونها بشدة في ولاية جنوب كردفان، ولما اشتد عليها الأمر لم تجد بداً من اعلان انسحابها من جنوب كردفان تحت مزاعم عدم اعترافها بنتيجة الاحصاء السكاني!! وهو أمر يثير الضحك حيث لا صلة مباشرة بين الأمرين وقد دخلت الآن في مساومات والبحث عن حلول وسطى. هذا هو واقع الحركة الذي أطلقنا عليه تراجيديا، فهي وجدت نفسها وعلى حين غرة أمام امتحان صعب لم تتهيأ له أو أوهمت نفسها في السابق بأنها قادرة على اجتيازه وها هي الأيام والأيام وحدها تثبت لها كذب ما كانت تحدث وتمنيّ نفسها به.