من أصل 150 ألف برميل أقرتها الموازنة العامة للدولة للعام 2013 استطاعت وزارة النفط السودانية أن توفر حتى الآن ما بين 136 الى 140 ألف برميل من الحقول التى تم افتتاحها مؤخراً وآخرها حقل (حديدة) بإقليم دارفور بولاية شرق دارفور. والصورة كما رسمها الوزير السوداني ورسمتها الأرقام تشير الى أن السودان وعبر سياسة الاعتماد على ذات وإلتزام الصمت فى العمل، استطاع فى غضون أشهر قلائل أن يتجاوز بدرجة كبيرة ثغرة وقف نقل النفط الجنوبي عبر الأنابيب السودانية، والذي تأثرت به موازنته العامة بعدما قررت الحكومة الجنوبية قبل حوالي العام من الآن وقف إنتاجها النفطي وتصديره عبر الموانئ السودانية جراء خلاف حول رسوم النقل والتصدير. وصول الإنتاج النفطي السوداني الى رقم يقارب ما هو مطلوب فى موازنته العامة يعتبر دون شك قفزة اقتصادية كبيرة ذات أبعاد سياسية أكبر. فمن جهة أولى أيقنت جوبا بما لا يدع لها مجالا للشك – أن السودان نزع عنها، والى الأبد ورقة النفط ومزقها تمزيقاً، إذ مما لا شك فيه أن جوبا حين قررت وقف ضخ النفط على خلفية خلافها مع الخرطوم، كانت تراهن – سياسياً واقتصادياً – على استحالة صمود السودان واضطراره للرضوخ للمطالب الجنوبية. انقضت الآن أشهراً تلو الأشهر والسودان ليس صامداً فحسب، ولكنه استطاع أن يحقق بدائل عملية أحرقت الورقة النفطية الجنوبية على الأقل، وجعلتها بلا قيمة لا حاضراً ولا مستقبلاً. وهذه فى الواقع ليست مجرد عملية سياسية موجهة للحكومة الجنوبية فحسب بقدر ما هي مواجهة صريحة لتحديات اقتصادية صعبة نجمت عن عملية الانفصال، استفاد منها السودان أيما استفادة حين قرر الاعتماد على موارده وحدها فى معالجة أزماته، ومن المؤكد أن هذا التطور الملفت بحق للنظر، أعاق كل خطط الحكومة الجنوبية التى – بالمقابل – لم تستطع الحصول على بدائل لتصدير نفطها لتصبح هي الطرف الوحيد المتأثر بقرار وقف ضخ النفط! من جهة ثانية فإن الحكومة السودانية تمكنت من استخراج النفط فى أماكن يطلق عليها (أماكن ملتهبة) لا تبتعد كثيراً عن المناطق التى تنشط فيها العمليات المسلحة التى تقوم بها حركات التمرد سواء فى دارفور أو جنوب كردفان، وهذا بمثابة تحدي بكل ما تحمله الكلمة من معاني، لأن هذا يحقق من جهة فرضية سيطرة الحكومة حتى على المناطق التى يُقال أنها تشهد عمليات مسلحة نشطة فى دارفور، إذ ليس من الممكن أن تجري عمليات تنقيب واستخراج وضخ نفط فى إقليم تملأ أبواق الدعايات الغربية بشأنه أرجاء الدنيا بأنه غير آمن. ومن جهة ثانية فإن الحكومة تؤكد أنها وفى سبيل مشروعاتها التنموية فهي لا تفرِّق بين المناطق التى تشهد عملاً مسلحاً أو غيرها؛ إذ على الرغم من أن التمرد مندلع فى دارفور فإن هذا لم يمنع الحكومة السودانية من إقامة مشروعات الصناعة النفطية وكأنها تواجه السلاح والتمرد بمزيد من مشاريع التنمية والمشاريع المنتجة ذات العائد الاقتصادي الاستراتيجي. ومن جهة ثالثة وأخيرة فإن الصناعة النفطية التى أنجزتها الحكومة السودانية وتجاوزت بها أزماتها أعطت دفعة قوية للاقتصاد السوداني فى سمعته الخارجية، إذ بلا شك فإن الذين راهنوا فى السابق وما يزالوا يراهنون على أن السودان عقب انفصال جنوبه لم يعد قادراً على إدارة اقتصاده وشئونه، وأنه عليه أن يعالج خلافاته مع دولة الجنوب حتى يمكنه أن يتجاوز مشاكله. لقد تقدم السودان الآن عدداً من الخطوات ليترك مسافة طويلة للغاية بينه وبين الدولة الجنوبية التى ما انفكت تعيش على رهانها الخاسر!