لا يفوّت الفلسطينيون فرصة للسجال الداخلي . أصبح الأمر بالنسبة لهم متعة يوميّة . يبحثون عن أي ثغرة للنفاذ منها إلى تبادل الاتهامات وكيل النعوت، ومن ثم يتحدّثون عن ضرورة تحقيق “المصالحة" . هذه هي حال “فتح" و"حماس" منذ ما قبل وقوع الانقسام، وتحديداً منذ ظهور الحركة الإسلامية على الساحة الفلسطينية كند مباشر للسيطرة المطلقة لحركة “فتح" . الحال باتت معتادة . جديدها هو اغتيال القيادي في “حماس"، محمود المبحوح، وما كشفته سلطات دبي عن اعتقال فلسطينيين للاشتباه في ضلوعهما في العملية . طرفا الانقسام تعاملا مع الخبر وكأنه مفاجأة . رفعا راية العفة والبراءة، معتبرين أنهما محصّنان من الاختراق الأمني “الإسرائيلي"، وبدآ بتقاذف كرة العمالة . لم يعودا مهتمين بحقيقة المنفذين الأوروبيين ال ،11 الذين دخلوا إلى دبي وخرجوا منها سالمين، بات همهما تبرئة ساحتهما . “حماس" رأت أن التنسيق الأمني بين السلطة و"إسرائيل" أصبح خارج الحدود أيضاً، والسلطة أشارت إلى أن المعتقلين كانا أعضاء في الجهاز الأمني للحركة الإسلامية . هكذا تعامل الطرفان مع القضية، وإن أبقيا في طي سجالهما على اتهام “الموساد" . لكن محاولات البراءة مستغربة فعلاً، وكأن ساحتي “فتح" و"حماس" لا تخترقان . التجارب السابقة تؤكد أن الساحة الفلسطينية مخترقة “إسرائيلياً"، بدءاً من اغتيال القيادي يحيى عيّاش، مروراً بالشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، وصولاً إلى سعيد صيام . هذا بالنسبة ل “حماس" . أما “فتح" فحدّث ولا حرج، من القيادات في تونس ولبنان، مرورواً بالمحاولات الكثيرة لقتل مروان البرغوثي، وصولاً أخيراً إلى الزعيم ياسر عرفات، الذي ما كان من الممكن ل “الإسرائيليين" تسميمه، بحسب المتداول، من دون اختراق أمنه الخاص في مقر المقاطعة . الاختراق ليس من باب الشتيمة، بل قد يكون طبيعياً نسبة إلى حالات الابتزاز الكثيرة التي تلجأ إليها سلطات الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين، الذين يعيشون في ظل الاحتلال منذ أكثر من ستين عاماً . لا داعي للكثير من الاتهام والمناكفة حول الضلوع الفلسطيني، الذي لا يزال متأرجحاً بين “فتح" و"حماس" . في الحالتين لا يجب صرف الأنظار عن الفاعل الأساسي، وهو “الموساد"، والدخول في زواريب الانقسام الداخلي لتغطية اختراق من هنا أو هناك . المحصلة هي الاغتيال والمنفّذ واحد فقط، بغض النظر عن المساعدة التي تلقاها . ولا بد من الإشادة بقدرة دبي على كشف خيوط الجريمة كلها . إنجاز يسجل للإمارة وأمنها، التي وضعت التهمة في وجهتها الصحيحة . فهل يتعاطى الفلسطينيون مع هذه المسألة بنفس القدر من المسؤولية؟ المصدر: الخليج 21/2/2010