مهام آسيا المركزية في العقود القادمة هي: تجنب مواجهة كبرى بين الولاياتالمتحدة والصين، والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي الذي عزز الرخاء الإقليمي، وهذه المهام صعبة، بيد أنها قابلة للتحقيق مع ذلك. وسيتطلب ذلك من الطرفين فهم بعضهما بعضاً تماماً، والتصرف بهدوء في وجه الاستفزازات المتعددة، والتعامل مع القوى المحلية والإقليمية، التي تعمل على توسيع هوة الخلاف بينهما. وسيتطلب هذا بدوره علاقة أكثر عمقاً، وأكثر مؤسسية، تتبلور في إطار يقبل حقائق التنافس، وأهمية التعاون، وحقيقة أن التنافس يعني استبعاد كل طرف للآخر. ومثل هذه المقاربة الجديدة، يجب أن تمنح - فضلا عن ذلك - تأثيراً عملياً من خلال أجندة محددة ومنتظمة تقوم على اللقاءات المباشرة والدورية بين قادة البلدين. والسرعة، والنطاق، والمدى الذي اتسم به صعود الصين، ليس له مثيل في التاريخ الحديث: فخلال ثلاثين عاماً فقط، نما الاقتصاد الصيني من اقتصاد أقل حجماً من هولندا إلى اقتصاد يُعد أكبر من اقتصادات كافة الدول الكبرى الأخرى باستثناء الولاياتالمتحدة. ولا شك أن نمو الصين سيؤدي حتماً، إلى توليد مصالح متقاطعة، وفي بعض الأحيان متصادمة، وقيم ورؤى مختلفة للعالم. والحفاظ على السلام سيكون موضوعاً غاية في الأهمية ليس فقط بالنسبة لسكان آسيا الذين يصل عددهم ثلاثة مليارات نسمة، وإنما لمستقبل النظام العالمي. وقد قام النظام العالمي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على وجود القوة الأميركية، متمثلة في شبكة من الأحلاف والشراكات العسكرية. وفي السنوات الأخيرة أدى صعود الصين، والصعوبات المالية والاقتصادية، التي عانت منها الولاياتالمتحدة إلى وضع إمكانية استمرار هذا الإطار موضع المساءلة. ويمكن القول إن هناك إحساساً بعدم اليقين الاستراتيجي، ودرجة من التحوط الاستراتيجي قد بدأ في الظهور في العديد من العواصم الآسيوية. وفي هذا المجال يمكن القول إن سياسة أوباما الخاصة ب«إعادة التوازن» قد أثبتت فعالية كسياسة أو كإجراء تصحيحي يعمل على إعادة ترسيخ الأسس الجوهرية؛ ولكن تلك السياسة لن تكون قادرة بمفردها على المحافظة على السلام وهو تحد سيزداد صعوبة على الدوام، كما سيكتسب طابعاً أكثر عجلة، عندما تتفاعل سياستا الدولتين العظميين مع مجموعة من الصراعات ما دون القارية، والمطالب الإقليمية في بحري الصين الشرقي والجنوبي. تنظر الصين إلى تلك التطورات من منظور أولوياتها المحلية والدولية، فاللجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني، ترى أن مسؤوليتها الجوهرية تتمثل في المحافظة على بقاء الحزب في السلطة، والمحافظة على تكامل التراب الوطني للصين، والمحافظة على النمو الاقتصادي القوي، من خلال تطوير نموذج البلاد التنموي بما يضمن أمنها في مجال الطاقة، ويحافظ على الاستقرار العالمي والإقليمي، وذلك حتى لا يخرج التقدم الاقتصادي عن مساره، مع تحديث قواتها المسلحة، وتأكيد مصالحها الخارجية، وتعزيز مكانتها كقوة عظمى. والصين تقوم بصياغة أولوياتها الإقليمية والعالمية في المقام الأول بناء على حتمياتها الاقتصادية والسياسية الداخلية. والسؤال الجوهري الذي تثيره الدول الأجنبية في الوقت الراهن هو: هل ستستمر الصين في التعامل مع باقي دول العالم- على أسس تعاونية- داخل النظام العالمي الحالي المبني على قواعد ونظم محددة، بمجرد حصولها على وضعية الدولة العظمى أم ستسعى لإعادة تشكيل ذلك النظام بحيث يكون أقرب ما يكون لصورتها، يظل لحد كبير سؤالا من دون إجابة-حتى الآن على الأقل. وسياسة إدارة أوباما الخاصة ب«إعادة التوازن» لعلاقاتها، بالتوجه نحو آسيا، تعد جزءاً من استراتيجية دبلوماسية إقليمية واقتصادية أكبر، تشمل أيضاً القرار الخاص بأن تصبح- الولاياتالمتحدة- عضواً في منظومة قمم شرق آسيا مع التخطيط في الوقت نفسه لتطوير شراكة أطلسية، وتعميق شراكتها الاستراتيجية مع الهند وفتح الباب أمام ميانمار. وسياسة "إعادة التوازن" لقيت ترحيباً عبر العواصم الآسيوية، ليس لأن تلك الدول تنظر للصين كتهديد وإنما لأن آسيا كلها غير متيقنة حول الذي يمكن أن تمثله عندما تصبح واقعة برمتها تحت الهيمنة الصينية. وفي الوقت الراهن، حيث تنخرط الولاياتالمتحدة في تنفيذ سياسة "إعادة التوازن"، فإن السؤال بالنسبة لصناع السياسة الأميركية هو: إلى أين تأخذ علاقتها مع الصين بعد ذلك؟ من ضمن الاحتمالات أن تعمل الولاياتالمتحدة على تسريع وتيرة المنافسة الاستراتيجية مع الصين حتى تقتنع بكين بأنه ليس لديها فرصة للتفوق على واشنطن وحلفائها في الإنفاق أو في المناورة. ولكن المشكلة بالنسبة لهذه المقاربة هو أنها غير قابلة للاستمرار، ومن ثم فلا تحظى بالمصداقية. الاحتمال الثاني: الإبقاء على الوضع القائم كما هو، مع الاستمرار في الوقت ذاته في تطبيق سياسة إعادة التوازن وانتظار ثمارها، والقبول بحقيقة أن تحقيق تحسين في العلاقات الثنائية أمر ممكن. الاحتمال الثالث: تغيير وتيرة العلاقات الحالية بالكلية، وإدخال إطار جديد للتعاون مع الصين، يعترف بحقيقة التنافس الاستراتيجي بين الدولتين، ويعرف المناطق الرئيسية للمصالح المشتركة للبناء عليها، والبدء بذلك في سد فجوة عدم الثقة المتزايدة بين الدولتين. والتزامن- التقريبي- لفترة ولاية أوباما الثانية، وولاية "شي بينج" الأولى يمثل نافذة فرص فريدة لوضع العلاقات الأميركية- الصينية على مسار أفضل من المسار الحالي. لقد علمنا التاريخ دوماً أن صعود القوى العظمى، يقترن عادة بحدوث صراعات عالمية كبرى، ولكن في مقدور أوباما وبنج، مع ذلك، إثبات أن آسيا القرن الحادي والعشرين يمكن أن تكون استثناء من تلك القاعدة التاريخية التي كثيراً ما سببت الآلام. كيفين رود رئيس وزراء أستراليا 2007-2010 ووزير خارجيتها من 2010 - ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفيس» المصدر: الاتحاد 26/2/2013م