قال حزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي إنه ولوحده قادر على إسقاط النظام في الخرطوم، وأنه (لولا) ارتباطه بالتحالف المعارض لأنجز مهمة الإسقاط! والأمر هنا – دون الحاجة لاستدعاء الطرائف المماثلة – شبيه ببيت الشعر العربي القديم الذى يقول فيه الشاعر العربي : وإذا خلا الجبان بأرضٍ ** طلب القتال (وحده) والنزالا! فقد قضى الشعبي حتى الآن 14 عاماً فى مقاعد المعارضة جرّب خلالها كل ما أُتيح له أن يجرب وكانت النتيجة أن ثلاث أرباع قياداته النافذة تسربت الى صف الوطني ووجدت لنفسها مقاعداً متقدمة فى الصفوف الأمامية، دعك من عضويته التى إن كنا كرماء معها – لقلنا إنها ربما تملأ أحد بصات الولاية العاملة فى خطوط المواصلات الداخلية فى العاصمة الخرطوم . ومن الغريب والمدهش حقاً أن يكون حزب كالشعبي قادر على إسقاط الحكومة وهو يعلم أن التحالف المعارض يقوم ويقعد بحثاً عن هذه الأمنية الغالية فيحبطه الشعبي بقوله إنه قادر على تحقيق هذه الأمنية -لوحده- ولكنه مضطر للسير فى ركاب التحالف! إساءة الشعبي للتحالف فى هذه النقطة بالذات ليست فى حاجة الى إيضاح وشرح، فمعنى ذلك أن التحالف غير قادر على تحقيق ما يمكن أن يحققه الشعبي رغم أنه (واحد) وهم جمعٌ كثير! الشعبي هنا يسخر من التحالف المعارض ويذمه بما يشبه المدح، فهو لا يساوي فى قدراته ما يساويه الشعبي وما يمتلكه من قدرات! ومن الجانب الآخر فإن الشعبي يسخر أيضاً من نفسه، فهو قادر على الفعل المطلوب، ولكنه (يجامل) غير القادرين! أما من الناحية السياسية فإن الافتراضات بأن مقولة الشعبي الطريفة هذه كثيرة ولا تقف عن حد معين، فإما أن الإسقاط الذي يعنيه هو إسقاط عن طريق (تدبير مؤامرة) وفى هذه الحالة أثبت الشعبي لتحالف المعارضة أنه (غير مؤتمن) فبمثلما بوسعه أن يسقط الحكومة - حسب زعمه - منفرداً عن طريق مؤامرة فإنه بذات القدر قادر على التآمر على التحالف! وربما فطن أعضاء التحالف المنهكين ذهنياً لهذه النقطة الخطرة أول يفطنوا لها. وإما أيضاً ان يكون الشعبي قادر على إسقاط النظام عن طريق سلمي (مظاهرات واعتصامات) وفي هذه الحالة فإن السؤال الذى سيظل معلقاً بلا إجابة لماذا إذن إن كان الأمر كذلك لم يشرك الشعبي حلفاؤه فى المعارضة فى الإسقاط السلمي؟ أما إن كانت هناك (وسيلة ما) غير التآمر والتظاهر اخترعها الشعبي واحتفظ بها لنفسه فإن السؤال لن يكون عن ماهية هذه الوسيلة المستحدثة غير المسبوقة بقدر ما سيكون عن الحكمة فى تخلّي الشعبي عنها (لخاطر تحالف المعارضة)! وعلى ذلك فإن الأزمة فى تحالف المعارضة -مع أن التحالف لا يستحق كل هذا الحبر المدرار والورق- هي أزمة رؤى وأفكار وإطلاق تصريحات فى الهواء اعتقاداً منهم أن إطلاق التصريحات مثل إطلاق الرصاص يصيب وإن لم يصب كما يقول المثل يدوِّش. غير أن هذا المسلك ولفرط تكراره أصاب الساحة السياسية بالملل والضجر، ففي كل يوم يخرج قادة التحالف بحديث، وفي كل يوم ينقص وزن التحالف ويزداد الوطني كيل بعير!