ما كتبه كل من وولفويتز الأمريكي وبرنارد لويس الفرنسي قبل زمن عن تقسيم العالم العربي إلى عدد من الدويلات، لم يكن مجرد توقعات شخصية بقدر ما هو وثيق الصلة باستراتيجيات مجمدة بانتظار “المايكرويف" لتسخينها . ولم تكن مصادفة أن تصدر في الآونة ذاتها موسوعة عن الإثنيات في العالم وهي تتجاوز المئتين وعشرين، كرست الموسوعة منها فصلاً موسعاً للإثنيات في العالم العربي، وبدلاً من أن يتنبّه النظام السياسي العربي إلى هذا كله ويعمل على إجهاضه قبل أن يسبق السيف العذل ويتفاقم الأمر، حدث العكس، إذ سرعان ما بدأ صراع الهويات الفرعية يتغذى من الداخل والخارج على السواء، خصوصاً بعد أن غادرت بعض النظم، مواقعها دولاً وأصبحت أقرب إلى الميليشيات، وما كتب مراراً عن تغيير التضاريس السياسية والخرائط لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه رغم خطورة الأطروحات التي تتبنى هذه الاستراتيجيات، وليس مهماً أن يكون عدد الدويلات المرشحة للولادة القيصرية في عالمنا العربي سبعين أو مئة، لأن متوالية التذرر ما أن تبدأ حتى يصبح من السهل استمرارها بلا أية عوائق، لهذا قد يضطر العرب القادمون من رحم هذه السايكس - بيكوية الجديدة وفي طبعتها المنقحة إلى استحداث جامعات عربية عدة أو لتوسيع مبنى الجامعة كي تستوعب الضيوف الجدد . وللوهلة الأولى تبدو هذه الهواجس وكأنها من باب الإفراط في التوقعات، لكن حقيقة الأمر وكما تتضح ميدانياً تنذر بما لا يسر غير الأعداء، أما الأصدقاء فلم يعد يغضبهم هذا المصير في زمن سَطَت البراغماتية فيه على كل شيء، ولعل عبارة الرئيس الأمريكي أوباما عن مصر حين وصفها بأنها ليست عدواً وليست صديقاً هي مجرد مقدمة لإعادة النظر في أولويات التحالف والخصومات . والحراك الذي وعد العرب بتآلف الأطياف السياسية وتعايشها تحت سقف ديمقراطي أصبح عرقوبياً الآن، بعد أن اختفت الدولة وراء الطوائف والمحاصصة . ومن يدري؟ لعلّ من علقوا فشل وحدتهم وائتلافهم القومي - ولو في الحد الأدنى - على معاهدة سايكس بيكو، قد يتباكون على تلك المعاهدة لأنها ضمنت على الأقل الوحدة داخل القطر العربي، بحيث لا يقسم إلى شمال وجنوب وشرق وغرب وشيعي وسني ومسلم ومسيحي . هكذا ينجز العرب ذاتياً ما لم ينجزه الاستعمار الذي طبق شعار فرّق - تَسُدْ بمهارة أنغلوساكسونية فائقة . ويحدث هذا في زمن تتوجه فيه معظم دول العالم إلى البحث عن سياقات تتناغم داخلها، سواء كانت أمنية دفاعية أو اقتصادية سوقية . ولو حدث بالفعل أن تحول العرب إلى أعراب ورُفع أكثر من سبعين علماً على الجامعة العربية، فإن معنى ذلك باختصار هو الانتحار القومي، بحيث يسهل الاستفراد بهم واحداً بعد الآخر، ويفقدون قوة الكتلة التي طالما عمل لها أعداؤهم ألف حساب ويخطئ من يظن أن سيكون معفواً من دفع الثمن لهذه الكارثة، وقد يندم لكن بعد فوات الأوان وبعد أن يجد نفسه مختنقاً في فك ذئب هنا أو ثعبان هناك . المصدر: الخليج 18/4/2013م