نقترب كثيرا من موعد إجراء أهم انتخابات في العالم العربي ، وربما أكثرها مصيرية لشعوبها والمنطقة: الانتخابات العراقية (7 آذار الجاري) ، والسودانية 11( نيسان المقبل). ثمة قواسم ومشتركات بين "الانتخابين" ، رغم تباين الظروف المحيطة بكل منهما ، فهما الأكثر ضرواة من بين مثيلاتهما في العالم العربي ، من حيث درجة التنافس بين الكتل والزعماء في السباق إلى إلى عقول وقلوب المواطنين والرأي العام ، وهما تحدثان في دولتين عاشتا وتعايشان درجة معينة من الاحتراب الأهلي والانقسامات العرقية والمذهبية والطائفية والقومية ، وهما وهذا هو الأهم ، مصيريّتان لجهة دورهما في الحفاظ على الوحدة الترابية لكل من السودان والعراق على حد سواء. العراق ، صديق الولاياتالمتحدة ، الخاضع لاحتلالها العسكري والمدني ، ينظم انتخابات تعددية ، يرجح أن تكون حرة ونزيهة ، يشرف عليها أكثر من خمسة وسبعين ألف مراقب محلي وعربي ودولي ، فيما السودان ، الدولة المحسوبة على المعسكر المناهض للولايات المتحدة ، والنظام الذي طالما اتهم بالشمولية و"الثيوقراطية" ، ينظم أول وأوسع وأشمل انتخابات تعددية تجري في تاريخه ، وبحضور رقابي دولي كثيف ، فلم لم تبق دولة غربية واحدة ، إلا وأعدت جيشا من المراقبين سيتوزع على عموم الولايات السودانية المتحدة ، وتحت إشراف المايسترو جيمي كارتر. الانتخابات هنا على حدودنا الشرقية ، وهناك على الضفة الأخرى للبحر الأحمر ، حبلى بالمفاجآت ، وهي ليست من النوع المعلّب والمعروفة نتائجه سلفا ، ففي العراق لا أحد بمقدروه أن يتكهن بأية معلومة واحدة تامة وصحيحة حول من سيفوز ، وبكم مقعد ، ومن هو رئيس وزراء العراق القادم ومن أي كتلة ، وما شكل الائتلافات الأخيرة وصورتها ، ومن سيحكم ومن سيعارض. وفي السودان ، لا أحد بمقدوره الجزم بما ستتحصّل عليه الأحزاب والحركات ، فهناك سباق محموم على الرأي العام الشمالي والجنوبي و"الدارفوري" ، ولا أحد بمقدوره أن يتكهن بمن سيفوز بالرئاسة ومن أي جولة (هناك جولة ثانية إن لم يفز أي من المرشحين بأغلبية الأصوات المطلقة) ، ولا أحد يعرف كم مقعدا سيحظى بها المؤتمر الحاكم أو أحزاب المعارضة ، وما صورة ائتلافات ما بعد الانتخابات ، ثمة حقيقة واحدة مؤكدة ألا وهي أن رئيس السودان القادم ، أيا تكن هويته ، لا ينتمي إلى شريحة ال"99,99%". في سعيه لكسب أصوات العرب السنة ، وبعد قرارات "الاجتثاث" مكارثية الطابع الصادرة عن مكتبه وديوانه ، حاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التودد لهذه الشريحة من العراقيين ، من خلال فتح باب الجيش أمام ضباطه وجنوده السابقين ، من العهد الصدامي ، في خطوة اعتبرها خصومه رشوة مفضوحة لخصومه السياسيين. وفي سعيه لكسب أصوات الجنوبيين والدارفوريين ، ينشط الرئيس السوداني في تسريع وتائر المصالحة مع متمردي دارفور ، ويبدأ حملته الانتخابية من جوبا عاصمة الجنوب ، ويعقد مؤتمرا لمسلمي الجنوب الذين يشكلون مبدئيا قاعدة مؤيدة له ، وهم وإن كانوا أقلية ، إلا أنهم أقلية مؤثرة ، ولا تقل نسبتها عن ربع سكان جنوب السودان. نتائج الانتخابات السودانية ، ستقرر إلى حد كبير مصائر الجنوب ، وما إذا كان سيظل جزءا من الوطن الأم أم أنه سيقرر الانفصال في الاستفتاء على تقرير المصير المقرر إجراؤه في العام المقبل ، مع كل ما يفتحه سيناريو الانفصال من احتمالات وتداعيات.. فيما نتائج الانتخابات العراقية ، سترسم إلى حد كبير خريطة المستقبل لكركوك والمناطق المتنازع عليها بين عرب العراق وأكراده ، بل وستؤثر بصورة لا ريب فيها ، على شكل ومضمون العلاقة بين العراق وشماله. نحن إذن ، أمام انتخابات لها ما بعدها ، بخلاف الحال في معظم البلدان العربية ، التي نعرف سلفا ما الذي ستأتي به صناديق الاقتراع مع نسبة خطأ وصواب لا تتعدى الخمسة بالمائة ، ودرجة ثقة لا تقل عن خمسة وتسعين بالمائة ، تماما مثلما هو حال استطلاعات الرأي العام ، ونعرف أنها - الانتخابات العربية - في جميع الأحوال لا تقدم ولا تؤخر على صعيد مستقبل الأوطان والبلاد ، أو على مصائر الناس والعباد ، ولننتظر لنر. المصدر: الدستور 4/3/2010