يوم الخميس الماضي خصصت صحيفة «الواشنطون بوست» الأمريكية افتتاحيتها للحديث عن السودان والتعقيب على توقيع الاتفاق الاطاري بين الحكومة وحركة العدل والمساواة. الافتتاحية بدأت بالاشارة إلى الحروب الأهلية وعمليات الابادة التي جرت في السودان مما يجعل البلاد في حالة أزمة مستفحلة أمام أدارة الرئيس باراك أوباما، لكنها تضيف ان هناك بصيص أمل وفرصة صغيرة لتحقيق السلام وأحداث تغيير خلال العام المقبل، ولهذا تبدو الأتفاقية الأخيرة بخصوص دارفور حاملة لبعض البشائر. وتمضي الافتتاحية لتشير الى ان للرئيس عمر البشير حافزا للمضي قدما في التفاوض مع الحركات المتمردة في دارفور ومع ممثلي الجنوبيين، ولأدارة أوباما في المقابل سبب لتشجيعه للمضي في هذا الطريق. وتضيف الصحيفة مع انه من العسير توقع استعادة للعلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدة وحكومة سودانية يترأسها البشير الى معدلها الطبيعي والعادي، و لا يمكن تبرير خطوة مثل هذه، لكن هناك أشياء غريبة تحدث في العالم، ويمكن سؤال الزعيم الليبي في هذا الخصوص. وذلك في إشارة إلى تطبيع العلاقات الأمريكية الليبية وإزالة ليبيا من لائحة الدول التي ترعى الأرهاب. وحددت الافتتاحية برنامج الشهور المقبلة وهدف واشنطون في استكمال سلام دارفور، واجراء الانتخابات (وهي نفس أهداف المؤتمر الوطني الآن) ومختتمة بالقول ان مجرد منع انفجار العنف مجدداً يمكن أن يعتبر نجاحاً في حد ذاته. على الشاطىء الآخر من المحيط الأطلسي تناولت مجلة «الأيكونومست» الشأن السوداني من زاوية الأنتخابات في مقالين رئيسيين أولهما في الرابع عشر من يناير الماضي بدأته بالقول ان الرجل المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية يبدو الأوفر حظا في الانتخابات، اذ قالت، متسائلة كيف حدث هذا ومضيفة انه يبدو ان الغرب أصبح مهيأ الى قيام انتخابات فيها شىء من المصداقية، لكن لا يمكن وصفها انها «حرة وعادلة». وهي تلوم المؤتمر الوطني من ناحية بسبب الاجراءات التي اتخذها بخصوص الانتخابات، كما تلوم الحركة الشعبية لانكفائها على الجنوب وعدم القيام بدور رئيسي على الساحة القومية والتركيز على الاستفتاء وفصل الجنوب، بل وتلوم المجتمع الدولي لتقاعسه عن دعم العملية الأنتخابية بصورة أكثر جدية ومستشهدة بقيام بريطانيا بتقديم مبلغ 13 مليون دولار لمفوضية الأنتخابات، وهي خطوة وصفتها المجلة انها ضعيفة ومتأخرة عن موعدها أربع سنوات كاملة. وعادت المجلة الى تناول نفس الموضوع في العاشر من الشهر الماضي وبعد إعلان قائمة المرشحين مستعرضة حظوظ المرشحين الرئيسيين منهم. ولاحظت بداية ان الحركة الشعبية لم ترشح أحد قادة الصف الأول فيها، وان مرشحها ياسر عرمان قد يستقطب بعض أصوات الشماليين بطريقة أفضل مما لو كان المرشح سلفا كير نفسه، لكنها تصف عرمان انه غير معروف وعليه أثبات نفسه كمنافس قوي، كما أن اختياره يوضح أن أولوية الحركة التركيز على الجنوب.. ثم تتناول مرشح الحزب الشيوعي محمد أبراهيم نقد الذي ترى انه لن يشكل جاذبية لجيل الشباب الأكثر ميولا نحو التوجهات الاسلامية. وتشير الى ان كلاً من الحزب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي لم يرشحا زعيمهما محمد عثمان الميرغني و لا الدكتور حسن الترابي مما يضعف فرصهما. يبقى حزب الأمة، الذي وصفته المجلة انه الحزب الأنجح في أدائه في الفترة التي أعقبت الأستقلال، كما انه حاز على أعلى عدد من المقاعد في آخر أنتخابات برلمانية في العام 1986، وله رئيسه المنحدر من أسرة المهدي، لكنها تضيف ان الحزب لم يعد بتلك القوة كما كان في السابق بسبب الانقسامات من ناحية وان منطقة نفوذه الرئيسية في غرب البلاد حيث علامات الاستفهام تحيط بعدد من تم تسجيلهم ومن سيقومون بالتصويت فعلا خاصة في دارفور. وتخلص المجلة الى ان المعارضة تبدو منقسمة وضعيفة وفوضوية، ومن الناحية الثانية فإن المؤتمر الوطني لديه سيطرة كاملة على السلطة. وتضيف انه رغم ذلك توجد فرصة في توحد المعارضة حول مرشح واحد خاصة اذا التقت أحزاب الحركة والأمة والأتحادي الديمقراطي، لكنها ترى في «تحالف جوبا» الذي يضم هذه المجموعة انه «مفهوم نظري» اكثر منه برنامجاً انتخابياً لهذه المجموعة. وتخلص الى انه رغم الضغوط الدولية والمقاطعة والمحكمة الجنائية الدولية، فإن البشير يحظى بأفضل الفرص في الأنتخابات. تلعب وسائل الأعلام في الدول الغربية دوراً في تشكيل الرأي العام، بل والبعض يذهب الى درجة تحبيذ مرشح معين، وبما ان السودان أصبح قضية داخلية خاصة في الولاياتالمتحدة، فأن مجرد حديث افتتاحية في «الواشنطون بوست» عن احتمال حدوث ما لا يمكن تصوره أو تبريره من تطبيع للعلاقات بين واشنطون والخرطوم يعتبر نقلة نوعية تستوقف النظر. فطريقة اتخاذ القرارفي تلك البلاد معقدة وتتطلب آليات عديدة والتعاطي من جهات مختلفة سياسيا وتنفيذيا وتشريعيا. ولهذا يمكن أعتبار هذه الأفتتاحية خطوة على الطريق. و لايعني هذا تلقائيا ان الدول الغربية ستفتح صفحة جديدة في علاقتها بالسودان اذا فاز البشير. فتكرار تجربة حماس يبقى وارداً، اذ لم يشفع لها انها فازت في انتخابات حرة وعادلة ومراقبة دولياً، كما ان الكثير من الوعود حول توفير الدعم المالي لأعادة أعمار الجنوب وازالة السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب بعد توقيع اتفاقية نيفاشا لم تصدق رغم التبرير فيما بعد بما جرى ويجري في دارفور. على ان الانتخابات لا تتم فقط لكسب ود الغرب، وإنما لأنها ضرورة داخلية وخارجية لاستعادة الأرضية الأخلاقية للحكم في البلاد إبتداء، كما تمثل خطوة أساسية للولوج الى وضع دستوري جديد يمكن أن يضع البلاد في بداية طريق الاستقرار السياسي وعودة السلطة الى الناس ليقرروا من يحكمهم مع قفل باب العنف الأهلي. وهي لن تكون الحل الناجع والسريع لكل مشاكل ومتاعب السودان المزمنة، وإنما خطوة على طريق طويل يمكن قطعه بالتدرج والتطور السلمي. ولهذا فالمهمة الوطنية تتمثل في كيفية إجراء الانتخابات في مناخ سلمي والاعتراف بنتائجها، ولهذا تستحق قوى المعارضة الثناء لنأيها عن أسلوب المقاطعة العقيم. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 4/3/2010م