توشك الحملة الانتخابية القائمة بين المؤتمر الوطني وأحزاب التوالي السياسي ومقابلها تحالف جوبا للأحزاب المعارضة على شد الجماهير نحو برنامجين ومسارين مختلفين يريد نظام الإنقاذ الاستمرارية وتحصين مكتسباته بشرعية منتخبة بالارتكاز على منجزات مادية ماثلة في استخراج البترول والطرق والكباري والسدود وثورة التعليم العالي وتحقيق السلام الشامل في الجنوب والشرق والغرب . . بينما تستند المعارضة إلى ماضٍ تليد من النضال الوطني ضد المحتل الأجنبي ورفع رايات الاستقلال وتحقيق قدر وافر من بسط الحريات الأساسية والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية التعددية . ورغم ما تحمل عليه المنافسة الانتخابية من حدة الخطاب واحتدام الاستقطاب السياسي وتأجيج للروح الإقصائية بين طرفي الصراع، حيث يتحفز كل طرف لإزاحة الآخر ومحو ذكره إلا أن الممارسة الديمقراطية الراشدة تقتضي من الطرفين قبول الآخر والاعتراف بوجوده حتى يتسنى الخروج من الحلقة المفرغة والمداورة في ذات المكان بين الشمولية واللبرالية . . فلم تفلح سياسة إلغاء الآخر سوى في المزيد من التدهور للحياة السياسية وتدمير لبنيات الاقتصاد الوطني بتكريسها لرؤية آحادية الجانب تعمق من أزمة الحكم وتقضي على الاستفادة من تراكم الخبرات ومعالجة أوجه القصور بالموضوعية اللازمة . وتصوير المنافسة الانتخابية بأنها صراع بين دعاة الديمقراطية وأنصار الشمولية فيه الكثير من التبسيط والعفوية فلم تكن الانقلابات العسكرية سوى شكل من أشكال الصراع السياسي والحزبي العنيف، فلم يقدم العسكر على مغامرة الانقلاب إلا بتحريك من الأجندة الخفية للقوى السياسية في لعبتها الشبيهة بقفلة الدومينو التي تهد الدور بكشف البنط لبدء دور جديد بين اللاعبين . . و يقتضي التحوّل الديمقراطي اليوم تنازلات أكبر من قادة الأحزاب تسمح للشباب بعلب دور أعظم في الانتقال من حزب العائلة أو النخبة الممسكة بمقاليد الحزب إلى حزب الإرادة الجماهيرية الواسعة . . ولا أحسب أن الكوادر الحزبية سترضى بالالتزام التنظيمي دون أن يعبر الحزب عن تطلعاتها ويحقق مصالحها بعيداً عن الولاء للزعامات التاريخية . وهنا يبرز دور الإعلام الوطني في ترسيخ قيم الشورى وإرساء دعائم الممارسة الديمقراطية وغرس مفاهيم الاعتراف بالآخر وقبول الرأي المخالف فالوطن يسع الجميع . . والقرآن الكريم يؤكد سنن الله في الأرض ويقر التباين في المدارك واختلاف مفاهيم البشر في قول الحق سبحانه : (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم . . ) 118 - 119 هود، ولا يمكن تأسيس الوحدة والإجماع الوطني بإلغاء الآخر وقهره . . فراية الاستقلال لم ترفرف في سماء السودان إلا بساعدي الحكومة والمعارضة معاً . نقلا عن الصحافة 4/3/2010