المستوي الانتخابي الجديد الذي أوجدته نيفاشا، بخلق مستوى حكم جديد بالجنوب يتسنم رأسه رئيس حكومة الجنوب، وتتنامى أهمية هذا المنصب بالنظر إلى نتائج الاستفتاء القادم حول مصير جنوب السودان سواء اختار الاستمرار في إطار الدولة السودانية أو اختار الانفصال عنه وتكوين دولة جديدة يديرها رئيس حكومة الجنوب. والمتابع لمسيرة الانتخابات بجنوب السودان يجد أن هذه هي المرة الأولى التي تجرى انتخابات في الجنوب كله، حيث جرت جزئيا في انتخابات أعوام 1964 و1968، و1986، وذلك بسبب الحرب في الجنوب، حيث انفجرت حركة التمرد الأولى على الخرطوم في الخمسينات من القرن الماضي بزعامة جوزيف لاقو، والثانية بزعامة الدكتور جون قرنق عام .1983 ويبلغ عدد السكان الذين يعيشون في الجنوب 8 ملايين نسمة 21%، من إجمالي عدد سكان السودان البالغ حسب إحصاء أخير أعلن في مايو من العام الماضي 39 مليون نسمة، يعيش 30 مليونا في الشمال بنسبة 79% من جملة السكان. وحسب الإحصائية أعلاه، فإن نسب الدوائر الجغرافية في الجنوب انخفضت من 34% في السابق إلى 21%. وبالنظر للواقع السياسي لجنوب السودان فأن الإقليم الذي شهد حالة من الهدوء بعد حرب استمرت طوال الخمسين عاما الماضية مع فواصل صغيرة، فقد شهد حالات من الاضطراب الأمني أخذت طابعا قبليا أدى لزهق أرواح كثيرة كاشفا عن ضعف التجانس القبلي لتركيبة الدولة الجديدة في حال قيامها. ويعيش جنوب السودان حالة من الغليان الانتخابي بين المتنافسين في المستويات الانتخابية المختلفة، حيث تجرى فيه أول انتخابات متعددة، تشمل أجزاءه كلها لأول مرة في تاريخه. وتتصارع كتلتان رئيسيتان في الإقليم الذي يتكون من 10 ولايات، هما كتلة يقودها النائب الأول و رئيس حكومة الجنوب، سلفا كير، الذي يتزعم أيضا الحركة الشعبية ، والأخرى يقودها أحد المنشقين عن الحركة الشعبية، وزير الخارجية السابق، د.لام أكول، ورئيس «الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي». ويبلغ عدد الدوائر الجغرافية للبرلمان القومي في الجنوب 57 دائرة من جملة 275 دائرة جغرافية قومية، و290 دائرة لبرلمانات الولايات وعددها 10 برلمانات، بواقع برلمان لكل ولاية جنوبية، فضلا عن 102 دائرة لبرلمان حكومة الجنوب ويرى مراقبون أن الحركة الشعبية لها فرص فوز أكبر في الجنوب، ولكنها ستواجه تحدي ترشح أكثر من 350 من قياداتها الوسيطة في المستويات المختلفة في الانتخابات، أغلبهم للبرلمان القومي، من دون موافقتها، فيما يواجه حزب أكول الصعوبة في حرية الحركة، وعليه سيتركز نشاطه في مدينة ملكال، مركز ثقل أكول. وبدا أن المنافسة على شتى المستويات الانتخابية في الجنوب تنحصر بين كتلتين، كتلة بقيادة الحركة الشعبية، وتضم 11 حزبا جنوبيا، وكتلة أخرى تضم حزب لام أكول و8 أحزاب جنوبية أخرى تحالفت معه في نوفمبر الماضي. وقال أكول قبيل إطلاق حملته بساعات إن برنامجه سيركز على محاربة الفساد وتوفير الخدمات والتنمية في الجنوب، وأضاف الأمين العام لحركته، شارلس كيسنقا، في تصريحات صحفية إن حركته تحظى بقدر كبير من فرص الفوز في الجنوب في شتى المستويات «لأن شعب الجنوب الآن يتوق إلى تغيير حكم الحركة الشعبية، ورئيسها سلفا كير»، ومضى قائلا: «إنهم يسألون ماذا فعل سلفا كير في السنوات الخمس الماضية»، وتابع أن الجنوب الآن يعاني عدم توافر الأمن، «وهناك فساد يستشري، ودكتاتورية في الحكم»، وواصل يقول: «هذه الأمور كلها تجعل المواطن يبحث عن التغيير في حزبنا وفي التحالف الجديد ضد الحركة الشعبية». وقال: «ضمانات فوزنا في المستويات كلها تصل حتى الآن نسبة 70%»، وذكر، ردا على سؤال آخر: «نعم، هناك مشكلات أمنية ولكن الانتخابات ستجرى في الجنوب. غير أن الناطق باسم الحركة الشعبية قال بلهجة واثقة،: «سلفا فائز فائز» في الجنوب، وقال إن أكول، هو منافس لسلفا كير في منصب حكومة الجنوب «عليه أن يحقق الفوز في مسقط رأسه، ملكال.. لأنه هزم فيه من قبل في انتخابات عادية محلية». كما نفى وجود مشكلات أمنية قد تعصف بالانتخابات، وقال «المشكلة الأمنية جيب رفيع في منطقة جونقلي، لا يمكن تعميمه على باقي الجنوب الكبير»، وتباهي ماثيو بحملة الحركة الشعبية، وقال إنها فاعلة في الشمال والجنوب «وتسير بشكل غير تقليدي.. نحن نعمل من بيت إلى بيت عبر الاتصال المباشر مع الناس..لأننا لا نملك أموال الدولة ولا عربات الدولة لننجز بها حملتنا الانتخابية». والحركة الشعبية التي تسيطر الآن على مقاليد الأمور هناك، تراهن على اكتساح الجنوب بكامله، ويؤكد الناطق باسم الحركة الشعبية، ين ماثيو، في تصريحات صحفية أن زعيم الحركة، سلفا كير، فائز لا محالة في الانتخابات بمنصب رئيس الجنوب، التي ستجرى في 11 أبريل المقبل. وسخر من حملة منافسه أكول قائلا: «على أكول أن يحقق الفوز في مسقط رأسه.. لأنه هزم فيه من قبل في انتخابات عادية». ويرد عليه الأمين العام لحزب أكول، شارلس كيسنقا، بالقول بأن فوز حزبه في المستويات الانتخابية كلها في الجنوب يصل حتى الآن إلى نسبة 70%، وأضاف: «نحن نقول ذلك على الرغم من أن الحزب واجه جملة مضايقات من قبل الحركة الشعبية في الفترة الماضية». وينحو بعض المراقبين إلى اتجاه تحليل غير مألوف، فهو يرى أن الحركة تنتظرها معركة شرسة في الجنوب عكس ما يعتقد الكثيرون، ويبرر ذلك بقوله إن الناخب الجنوبي لا يصوِّت للحزب، أو البرامج الحزبية لوحدها، بل تلعب كاريزما وقوة المرشح دوراً كبيراً في تحديد خياراته، مما يجعل فوز الحركة متوقفاً على قوة المرشح الآخر. ويضيف فوك قائلاً: (أيضاً في حالة ترشيح الأحزاب الجنوبية بما فيها التحالف شخصاً محبوباً في الساحة السياسية الجنوبية وفاعلاً ووطنياً واجتماعياً، فإن الحركة ستبدو في وضع محرج، ومهددة بخسارة الانتخابات في عرينها الأساسي). ويذهب د.أبينقو أكوك، أستاذ العلوم السياسية، في اتجاه آخر، فهو يرى أن القوى السياسية الجنوبية الأخرى ما زالت ضعيفة، بسبب الحرب التي استمرت أكثر من عقدين، وحصرت نشاط تلك القوى في الخرطوم، والدول الأجنبية. ويضيف قائلاً: (إن القوى الجنوبية بخلاف الحركة لا تمتلك امتدادات شعبية واسعة في الجنوب، باستثناء المدن الكبرى (جوبا، ملكال، واو). وينبه إلى أن الحركة كانت مسيطرة على المناطق الريفية، وخلقت أجيالاً مؤمنة بها إلى أقصى حد، علاوة على أن نيفاشا جعلتها وصية على الجنوب بأكمله)، ويردف أبينقو قائلاً: (الحركة قوية ومسيطرة تماماً على الجنوب، فهناك «9 من كل 10» ولايات حكامها من الحركة، والخدمة المدنية تحت يد الحركة، وبجانب كل هذا لا ننسى الإعلام)، ويلفت النظر أيضاً إلى أن القوى السياسية الأخرى بالجنوب لا يوجد لديها عمل جماهيري فاعل، في وقت تسيطر فيه الحركة على مقاليد الأمور، ولا صوت يعلو فوق صوتها، والمؤتمر الأخير للحركة عزز هذه الصورة. غير أن ذات المراقبون يؤكدون أن الحركة تعيش في وضع مأزوم، يجب أن تتداركه قبل حلول خريف الانتخابات الحقيقية، ويمضي في تعزيز حديثه بالإشارة إلى أن ولايات الوحدة، وشرق الاستوائية، وأعالي النيل وغرب بحر الغزال، والاستوائية الوسطى، حتى الآن ستكون أصواتها بعيدة عن متناول الحركة بسبب إهمال توصياتهم. ويقدم فوك صورة سريعة لمشاكل الحركة في تلك الولايات ويقول: (في ولاية الوحدة مثلاً طالب مواطنوها باستبدال الحاكم تعبان دينق الذي تورط في فساد مالي واضح، وسقط بصورة دراماتيكية في الانتخابات القاعدية للحزب، ولكن الرئيس تمسك به. وليس بعيداً عن ذلك مطالب شرق الاستوائية بإبعاد حاكمها، وأعالي النيل بإعفاء رئيس المجلس التشريعي، أما غرب بحر الغزال فقد كثرت فيها دعاوى تغيير الوالي خاصة بعد اعتقاله لمناوئيه أخيراً، وأخيراً تبدو الاستوائية الوسطى مختلفة قليلاً؛ فهناك مطالب تتعلق بحسم مسألة نهب الأراضي بواسطة نافذين في الجيش الشعبي)، وبجانب ذلك كله تبقى مسالة المستقلين الخارجين عن مؤسسية الشعبية كهاجس لا يعادله شيء، وقطعا سيكون خصما كبيرا من أصواتها.