بكلمات مؤثرات ومعبرات أنهى سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمس الأول فترة حكمه التي امتدت من (1995) حتى (2013).. (18) عاماً أنجز فيها سمّوه الكثير لبلاده الوادعة.. (18) عاماً مدة قليلة جداً بحساب فترات حكم الدكتاتوريات العسكرية دعك من مقارنتها بفترة حكم الملوك.. فقط (61) عاما هي عمر سمو الشيخ حمد، فالرجل شاب بمقاييس من يتشبسون بالسلطة ويفرضون أنفسهم على شعوب التي لا تطيقهم البتة. في كلمته الوداعية المؤثرة قال سمو الشيخ حمد: (والله يعلم أنني ما أردت السلطة غاية في ذاتها ولا سعيت إليها من دوافع شخصية، بل هي مصلحة الوطن أملت علينا أن نعبر به إلى مرحلة جديدة).. معروف أن سموّه حوّل قطر من دولة خليجية نمطية إلى دولة حديثة تؤدي أدواراً فاعلة ومؤثرة على الصعيدين الإقليمي والدولي.. لقد جاء سموّه برؤية جديدة تؤسس لنهج جديد في معالجة القضايا الداخلية، تتجلى في تبني خيار الانفتاح السياسي، والمضي في تحقيق الإنجازات الاقتصادية.. لذلك غرو إن ساهمت هذه الرؤية في جعل دولة قطر محاورا ومفاوضا أساسيا في أزمات دولية عدة، والتدخل في صياغة مبادرات تتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية العراقية والوضع في لبنان وقضية دارفور وأخيراً القضية السورية وثورات الربع العربي عموماً، وكان لقطر أن سجلت حضوراً رسمياً بارزاً في الساحتين الدولية والإقليمية.. نهضة قطر انتظمت كل مجالات الحياة الاقتصادية والتعليمية والسياسية.. داخليا، نُظمت أول انتخابات بلدية في مارس 1999، ومارس المجلس البلدي ديمقراطية وقد كنت حاضراً لدورته الأولى أنقل جلساته الساخنة وأعتقد أن المجلس البلدي كان يمارس تمريناً ديمقراطياً توطئة لانتخاب برلمان كامل الدسم.. في أول استفتاء شعبي في أبريل 2003 أُقر القطريون أول دستور مكتوب قضى بتشكيل برلمان يتكون من (45) شخصا منهم (30) يتم انتخابهم بشكل مباشر.. اقتصادياً تحولت قطر من بلد بترولي ذات ثراء متوسط إلى أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.. خارجيا، أمير قطر السابق قام بدور بارز في أهم الملفات العربية، فكانت الدعوة إلى قمة عربية في الدوحة لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة، في خطوة جريئة في ظل انقسام عربي حاد.. كذلك استمرت جهود الرجل لرأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية حتى توجت بتوقيع حركتي (فتح) و(حماس) على إعلان الدوحة للمصالحة الفلسطينية في فبراير 2012.. سلام دارفور كان نتيجة لجهود عظيمة مغلفة بصبر مدهش على مماحكات الحركات الدارفورية المسلحة.. ايضاً كما نجحت قطر في عهده في إنهاء أزمة لبنانية مستعصية وصلت إلى حد الصدام المسلح من خلال توقيع الفرقاء اللبنانيين على اتفاق الدوحة في مايو 2008.. إن الإصلاحات التي حققتها قطر على الصعيد الداخلي وسعيها إلى بناء دولة عصرية منفتحة، قامت على أساس دولة القانون والمؤسسات واحترام حقوق الإنسان والاهتمام بالمرأة وتطوير البنيات الاقتصادية، بما يخدم المواطن القطري وتوسيع نطاق مشاركته واستفادته من التنمية الشاملة التي انتظمت الدولة الفتية، وهذه كلها عوامل إيجابية ساهمت في نجاح دولة قطر في رسم سياسة خارجية متميزة في منطقة الخليج العربي. كم كان بديعاً أن يعلن سموه باستمرار اعتزازه بانتمائه الإسلامي والعربي وهذا ما وسم كل سياساته داخليا وخارجيا، وقد ختم كلمته الوداعية بقوله: (مع ثقتي بإدراككم لانتمائكم وهويتكم العربية المسلمة فإنني أوصيكم بالمحافظة على قيمنا الثقافية والحضارية النابعة من ديننا وعروبتنا وانتماءاتنا الإنسانية، فنحن نؤمن بأن الوطن العربي جسد واحد يصلح الواحد من أقطاره بما يصلح به الجميع).. لله درك من رجل أمير لكل القلوب العربية.. نعم فالقلوب مفاتيح حكم الشعوب. إن سمو الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد شبل من ذاك الأسد فقد اطمأن الأسد على نباهة واستيعاب شبله لمتطلبات دولة عصرية مثل قطر.. هنيئاً للقطريين بقيادتهم الجديدة والسابقة، وهنيئاً لكل العرب بدولة تمضي في طريق المؤسسية والحكم الراشد وتعطي دروساً مجانية لكل العرب. المصدر: الشرق القطرية 29/6/2013م