لعل القارئ الكريم يذكر إنني ظللت طوال الحلقات الماضية أتناول موضوع السمنار الذي انعقد في لاهاي بعنوان ((التحديات إزاء تطبيق القانون الدولي)) ولما كان الهم الأكبر يتركز حول المحكمة الجنائية الدولية فانه مع مرور الأيام بدا يطل علينا الموعد المحدد لانعقاد المؤتمر الاستعراضي الذي يجمع الدول الإطراف في المحكمة الجنائية الدولية وكان قد حدد له نهاية شهر مايو المقبل وحتى اليوم الحادي عشر من شهر يونيو، بينما قد حددت العاصمة الأوغندية كمبالا مقراً لانعقاده. وفي ظل الاطلاع على الظروف المحيطة بذلك المؤتمر لمست اهتماماً كبيراً من الأوساط الأوغندية بذلك الانعقاد تمثل في التناول الصحفي المكثف في الصحف الأوغندية هذه الأيام. ويبدو أن ذلك الترويج يأتي من واقع الاعتزاز بحجم تجمع الدول الذي سوف تشهده العاصمة الأوغندية، غير إنني استطيع أن أجزم أن ذلك الانعقاد ما كان له أن يحظي بأي اهتمام لولا التجني الذي برز في أداء المحكمة الجنائية الدولية خلال سنواتها المنصرمة الذي صوت تجاه بعض الدول والشعوب الإفريقية المنتقاة حتى تحول دور المحكمة من النهج القانوني إلى النهج السياسي المتصاعد. وهذا وحده سوف يجعل من جلسات المؤتمر مجالاً واسعاً للاحتجاج من العديد من تلك الدول الأطراف التي كانت قد استنكرت في حينه ممارسات تلك المحكمة وسطوتها النابعة من خارج أروقتها في مظاهر واضحة للتآمر البائن غير المستعين بالستر وبلغ ذلك التآمر ذروته الشهر الماضي حين كان الإخراج النهائي لمسرحية بحر إدريس أبوقردة الذي برأته الدائرة التمهيدية الأولي دون أن تكون هنالك أية مفاجاة في قرار الحكم الذي كانت مقدماته قد وضحت منذ سيناريو تسليمه نفسه في دراما لا تخفي على أي بال وهي المحاكمة التي أكدت ما لم يكن قد تأكد من الممارسة السياسية للمحكمة البعيدة عن القانون وعن روحه الحيادية. من هنا فان المؤتمر الاستعراضي الذي خصص لتقييم أداء المحكمة خلال السنوات السبع الماضية من شأنه أن يبدأ بمسرحية أبوقردة دون التعرض لأنه تفاصيل غيرها لأنها وحدها تحكي عن المحكمة وعن خيلائها وعن خلوها من أية حيثيات يستند عليها أي حكم .. ومن بعد فان المبالغ المالية الباهظة التي خصصت لذلك المؤتمر ينبغي أن تكون مدخلاً للصرف البذخي على المحكمة الوارد من أموال المنظمات ومن موارد الشعوب الضعيفة ومن التبرعات شبه القسرية من الدول الغنية كل ذلك ليستخدم في النهاية لصالح المحكمة التي هي العصا التي خصصت لإحباط تطلعات الشعوب الصامدة التي لم ولن تنحني أمام أي صلف أجنبي ثم اذا كان هناك بند ثالث للتداول في ذلك المؤتمر الاستعراضي فينبغي أن يكون للتغول الذي تطاول حتى بلغ سيادات الدول غير الإطراف ثم ظل يحاول الحد من الحصانة التي منحتها الشعوب لتلك السيادة فليس هناك من تغول على اية دولة أكثر من استهداف رمز سيادتها المفوض كلية منها عبر الانتخاب المباشر. في ذات الوقت فانه يبدو أن أنصار المحكمة الجنائية الدولية قد أكملوا استعداهم لتلك المواجهة الأولي مع الدول الأطراف ولعله من الواضح من تمديد فترة المؤتمر ((12 يوماً)) أن الغرض ربما يعود إلى خطة محكمة لامتصاص كل غضب أو احتجاج لتقي الأيام كافية للإقناع على العدول عن أية اتهامات أو أي هجوم من بعض الدول الأطراف قد تواجهه المحكمة الجنائية الدولية والقائمين على أمرها. لقد تابعت نتائج اجتماع لجنة القانونيين الدوليين ((An International Bar Association )) حين وزعت المستندات والوثائق الخاصة من خلال برنامج مصاحب لانعقاد (سمنار التحديات ازاء تطبيق القانون الدولي) ومن واقع تلك النتائج لمست هجوماً قانونياً صريحاً على أداء المحكمة الجنائية الدولية فضلاً عن انتقاد واضح لبنود النظام الأساس لتلك المحكمة ولعلي استعرض تلك الانتقادات وملامح ذلك الهجوم على المحكمة من خلال الحلقة المقبلة .. خصوصا وانه انتقاد وهجوم على جديد لم يخطر على البال. نقلاً عن صحيفة أخبار اليوم 14/3/2010م