تحليل رئيسي حذر تقرير لوكالة إغاثة نرويجية الاسبوع الماضي مما أسماه وقوف الجنوب السوداني على شفا هاوية من تردي الاوضاع الانسانية و تنبأ التقرير بتصاعد حالات التردي مع إزدياد حالات العنف القلبي الناشبة هناك منذ سنوات لأسباب محلية تتعلق بانتشار السلاح ،و إنعدام الخدمات الاساسية وسوء ادارة حكومة الجنوب للإقليم . وتبدو هذه الحالة المفزعة بحق ، متناقضة تماماً مع أطروحات المرشح الرئاسي للحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان ، فقد كانت مفارقة صارخة ان يتزامن حديث المجتمع الدولي عن تردي الاوضاع الانسانية فى الجنوب السوداني ،و فى الوقت الذى يقود فيه المرشح الرئاسي عرمان حملته الانتخابية و هو يسهب فى الحديث عن إلغاء قانون مشروع الجزيرة ، و إلغاء قانون النظام العام ،و ما يحلو ان يطلق عليها عرمان القوانين المقيدة للحريات ! ذلك ان حلم عرمان بوصول القصر الرئاسي المطل على النيل فى العاصمة الخرطة ، حلم لا غضاضة فيه ، فاذا نال الشاب الطامح ثقة الناخبين السودانيين فلا غبار علي ذلك. غير ان المعادلة هنا بدت مختلة و شديدة التناقض ، فالجنوب السوداني فى حملة مرشح الحركة الرئاسي غائب تماماً و لم يجد مرشحه ما يشير اليه بشأنه الا ان يطلب من مرشح الوطني للرئاسة الرئيس البشير التنحي وإلغاء الشريعة لضمان الوحدة ! و لعل الامر الشديد الأسي والاسف هنا ان عدم جدية مرشح الحركة وصلت الى حد اطلاقه لأحاديث و وعود بعيدة كل البعد عن الواقع ، فالجنوب السوداني يعيش واقعاً مزرياً ،و قد ساهمت الحكومة المركزية و بمعزل عن موارد حكومة الجنوب فى إنشاء عدد من المشروعات التنموية (جسور و محطات مياه نقية و سدود ) لم تساهم فيها حكومة الجنوب بشئ ، بل قضت حكومة الجنوب على اموال المانحين (المنحة النرويجية وقدرها 235 مليون دولار) و قضت على عائدات النفط (حوالي 7 مليار دولار) وإبتلع المفسدون كل هذا القدر من المال فى لمحة عين . و مع ذلك فان مرشح الحركة الرئاسي الذى من المفترض ان الجنوب السوداني يشغل حيزاً مهماً من برنامجه كونه يسعي للوحدة كما يزعم يتجاهل واقع الجنوب و ينشغل بمشروع الزراعة و قوانين النظام العام! هذا دون شك بمثابة تلاعب متعمد بالناخبين و إستهزاء بعقولهم ،و هو أس بلاء الممارسة السياسية السودانية ، فنحن على الاقل رأينا تحركات مرشح الوطني عمر البشير فى الجنوب و التجاوب العفوي الذى وجده من المواطنين و ملامسته لهموهم ؛ أما ما عدا ذلك فلم نسمع من أى مرشح رئاسي – بما فى ذلك مرشح الحركة نفسه – حراكاً سياسياً جاداً فى الجنوب مما يقطع بضحالة رؤي هؤلاء المرشحين و تطلعهم الى أمور مقلوبة تماماً فى سلم الاولويات !