كان طبيعياً ان يصرح السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي ومرشحه للرئاسة بأن فوز عرمان بالرئاسة فى السودان سيقود الى حدوث اضطرابات و مشاكل وتعقيدات ،و كان طبيعياً ايضاً ان تغضب الحركة الشعبية من تصريحات المهدي ،و تقول انها سوف ترد عليها فى الوقت المناسب ! فالطرفين يضمهما ملتقي جوبا ،وكل منهما يعرف الآخر ، كما ان كل منها يرتاب فى الآخر ولا يثق به، بل لا نغالي ان قلنا ان لكل طرف تحفظاته في الآخرو كراهيته - اذا جاز التعبير- لأطروحاته و رؤاه ،و لهذا فحين يتحدث المهدي عن اضطراب بسبب فوزعرمان فهو بالتأكيد لا يتحدث عن بلد آخر مجاور للسودان أو فى قارة اخري ،وانما يتحدث عن السودان يمعطياته وظروفه وقضاياه باعتباره دولة غالبيتها من المسلمين ،و هؤلاء المسلمين حتى ولو لم يحكموا بقوانين مستمدة من شريعتهم ، فعلي الاقل لا يمكن ان يتحاكموا الى قوانين تصادم تقاليدهم و القواعد المرعية التى نشأوا عليها ،و ما من شك- دون أدني حاجة لخداع النفس – ان البرنامج الذى يطرحه عرمان يصادم بحدة و بقوة شديدة طبيعة و تقاليد السودانيين ،ومن المؤكد ان السيد الصادق المهدي قد قرأ (برنامج عرمان) وهو ما يطلق عليه برنامج السودان الجديد ،وأدرك بحسه السياسي ما وراء هذا البرنامج ،و ما وراء هذا الطرح وأدلي بتصريحاته هذه . ولعل أكبر مفارقة هنا هو أن ملتقي جوبا الذى ضم هذه الاطراف جميعها ، ومع أنه بدا الآن للعيان أنه تحالف متنافر ،و ان كل طرف فيه يريد إمتطاء الطرف الآخر للوصول الى هدفه وأسطع دليل على ذلك بروز خلافات حتى فى مستوي التنسيق و على على مستوي عقد الاجتماعات ،و اتخاذ القرار حيث شهدنا تأجيلات متكررة بأسباب واهية و ضعيفة ، بل و حتى لو قدر لقوى جوبا ان تتخذ قراراً موحداً و تتخذ موقفاً واحداً بشأن الانتخابات ، فان من الصعب تماماً إن لم يكن من المستحيل ان تتفق على مرشح رئاسي واحد تقف خلفه لتلحق الهزيمة بخصمها اللدود المؤتمر الوطني ، فكل مرشرح رئاسي ينتظر ان يحظي هو بدعم بقية المرشحين ؛وكل حزب يجد انه من الصعب ان يتنازل لمرشح آخر بما يشير الى ضعفه . و الخلاصة ان هذا الملتقي السياسي - لسوء حظه- أعطي صورة شائهة تماماً للطريقة التى يتعامل بها، و خصم بذلك من رصيده السياسي ، حيث يستحيل ان يضع الناخب السوداني ثقته بحال من الاحوال فى تجمع متنافر كهذا ، مطلوب منه قيادة بلد فى ظروف مفصلية حاسمة بالمعطيات الماثلة الآن!