لم يمض علي مفاجأة الرئيس عمر البشير الأولي الوقت الكافي لاستيعابها والمتمثلة في مغادرة الصف الأول من قيادة المؤتمر الوطني الحكومة،حتي رشح عن مفاجأة أخري أعدها الأخ الرئيس وأعلن البعض عنها، تارة بلسان من خرجوا من الحكومة، وأخري بلسان زائرين للبلاد، والإعلان عن هذه المفاجأة من غير الرئيس له دلالاته في إعلانها عن طريق الذين خرجوا، يدل علي أنهم ما يزالون في دائرة اتخاذ القرار، وهي رسالة لها ما بعدها. مما جعل البعض يرفع سقف توقعاته بأن الرئيس البشير سوف يقوم بتشكيل حكومة قومية، أو أن يتنحي من منصبه لخلفه، وخذا مرده إلي أن المفاجأة الأولي هي الأكبر، وإن لم تكن الأفضل، ولكن الثانية هي الأفضل، وإن لم تكن الأكبر. والذين يتابعون مجريات الأحداث يرون أن رفع سقف التوقعات إلي هذا الحد غير واقعي، ذلك لأن مناداة الرئيس بالإصلاح والتغيير علي المستوي السياسي الكامل للبلاد لا يمكن أن ينتهي بخطوة واحدة فقط ثم يردفها بخطوة مربكة بالوضع السياسي والاقتصادي للبلاد، لذلك كان من الطبيعي أن يخرج نائب رئيس المؤتمر الوطني البروفسور إبراهيم غندور بقوله إنه لا مفاجأة ولا تشكيل للحكومة القومية، ولا تنحي للرئيس البشير، إذن ليس هناك مفاجأة، والرئيس البشير لم يقل كلمة مفاجأة، وإنما قال ستكون هنالك إجراءات يعلن عنها في الأيام القادمة تعمل علي تغيير خارطة البلاد السياسية نحو الإصلاح الشامل، وتكون المفاجأة ماذا يقصد الرئيس بهذه الإجراءات. ولكي نجاوب علي هذا السؤال نعود قليلاً إلي أول تسريب صحافي علي أن الرئيس معتكف لإيجاد حلول شاملة للوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. وكان التغيير هو الخطوة الأولي في سلسلة خطوات أسهم فيها البعض بمشاركة فاعلة بالرأي والكتابة أبرزهم المهندس الراحل عبد الوهاب عثمان وزير الصناعة الأسبق الذي كتب مجلداً كاملاً للرئيس البشير وهو ما عكف عليه الرئيس بتمحيص شديد، أضاف عليه وشاور فيه ذوي الرأي والخبرة، ثم أكمل كل الخطوات اللازمة للإصلاح الشامل، فكان التغيير الأول، ولكي نعرف الخطوة الثانية علينا أن نتذكر تلك الزيارة التي قام بها السيد الرئيس إلي منزل الإمام الصادق المهدي، وتناول معه العشاء، وتحدث معه كثيراً وقام الرئيس بالإعلان عن الخطوة الثانية ضمنياً في تلك الليلة، إلا أن البعض كان منشغلاً بتكوين الحكومة واعتقدوا أن الزيارة كانت لهذا الغرض، فخرجت الصحف في اليوم التالي بسؤال فحواه "هل سيشارك حزب الأمة في الحكومة الجديدة القادمة أم لا؟". وتمثلت هذه الخطوة في ثلاث نقاط مع الإمام الصادق التي أمن عليها تماماً وهي: 1- الدستور 2- السلام 3- الوحدة 4- الوطنية. ويربط سهل بسيط أول الإجراءات التي سيعلن عنها الرئيس البشير تشكيل لجنة الدستور برئاسة السيد االصادق المهدي أو برئاسة شخص اتفق عليه الاثنان معاً، ولا يقصي حزب الترابي والحزب الشيوعي الذي سيشاركان في هذه اللجنة مشاركة فاعلة. فالسيد الرئيس يعلم أن الأساس يبني من أسفل إلي أعلي وهو الدستور، حتي يكون بناءً ثابتاً يؤدي إلي الإصلاح الشامل باتفاق جميع الأطراف دون إقصاء، وهو أمر سيشارك فيه الكل. وكذلك يعلم السيد الرئيس أن السلم ينظف من أعلي إلي أسفل، لذلك أمر البناء يشارك فيه الجميع وتكفل هو بنظافة السلم، وشمل الخدمة المدنية التي بدأ بتغيير وكلاء وزارات فيها مثل الإعلام والشباب والرياضة ليشمل كل الوزارات. فإعلان لجنة الدستور وإطلاق الحريات وبدء الحوار الجاد مع كل القوي السياسية هي الإجراءات التي سيعلن عنها رئيس الجمهورية، وستكون حكومة قومية قبل الانتخابات التي يصر الأمريكان كثيراً علي تأجيلها لعامين آخرين وهذه الإجراءات ستقود البلاد للحل الشامل . فها هو الإمام الصادق يتفق فيها مع الرئيس البشير، وأشاد بها الميرغني، والدكتور علي الحاج يحزم حقائبه للعودة إلي الخرطوم لتحريك العملية السياسية. نقلا عن صحيفة التغيير 27/1/2014م