أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    مقتل 18 شخصا واختطاف 14 آخرين بينهم 3 فتيات من الفاشر    تأملات جيل سوداني أكمل الستين    مقتل كبار قادة حركة العدل والمساواة بالفاشر    مناوي: صمود الفاشر رسالة تاريخية لعبدالرحيم دقلو    فبريكة التعليم وإنتاج الجهالة..!    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    مصلحة الشعب مع الحقيقة دائما حتى لو كانت قاسية    أونانا يحقق بداية رائعة في تركيا    بيراميدز يسحق أوكلاند ويضرب موعدا مع الأهلي السعودي    دبابيس ودالشريف    السودان يشارك في مؤتمر ومعرض المجلس الدولي للمطارات لإقليم أفريقيا    رئيس مجلس السيادة يلتقي أمير دولة قطر و يعقدان اجتماعاً ثنائياً    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    لقد غيّر الهجوم على قطر قواعد اللعبة الدبلوماسية    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    أمير قطر: بلادي تعرضت لهجوم غادر.. وعازمون على مواجهة عدوان إسرائيل    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    هالاند مهاجم سيتي يتخطى دروغبا وروني بعد التهام مانشستر يونايتد    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    شاهد بالصورة والفيديو.. بضحكة مثيرة جداً وعبارة "أبشرك اللوري مافي زول سائقه مركون ليهو زمن".. سيدة سودانية تثير ضجة واسعة بردها على متابع تغزل في جسدها: (التحية لسائق اللوري حظو والله)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على المطربة إيمان الشريف: (المجهود البتعملي عشان تطبلي لطرف تاني قدميه لزوجك لأنك مقصرة معه ولا تعطيه إهتمام)    شاهد.. "جدية" الإعلام السوداني تنشر صورة لها مع زوجها الشاعر وتستعين بأبيات من الغزل نظمها في حقها: (لا شمسين قدر نورك ولا الاقمار معاها كمان)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر.. قفزة في الظلام
نشر في سودان سفاري يوم 11 - 06 - 2014

ما كان ينقص المشير ‘عبد الفتاح السيسي' وهو يخاطب شعب المحروسة في حفل تنصيبه ديكتاتورا عسكريا جديدا لمصر، هو "عقال" و "غترة" حمراء، إيذانا بميلاد حلف جديد لشرق أوسط كبير، تتزعمه السعودية في الظاهر، ويحكمه اليهود من الباطن.. حلف صهيو- وهابي – عربي لمواجهة إيران ومحور المقاومة في المنطقة.
إرهاب و إرهاب
لكن قبل الحديث عن اليهود وحلف الصهاينة العرب، علينا التساؤل: – ما الفرق بين من ينبشون القبور لإغتيال الصحابة والأولياء وبين من يستحضرون جثت الزعماء لإغتيال الرموز؟..
لا فرق إلا من حيث التوصيف بين إرهاب الجماعات لصوص التاريخ والأرواح، وإرهاب العسكر لصوص السلطة والثروة، لأن الإرهاب الأول يهدف إلى زرع الفتنة بين المسلمين ليذبحوا بعضهم بعضا حتى تتحول أيامهم كلها إلى كربلاء، فترتاح "إسرائيل".
أما الإرهاب الثاني، فيهدف إلى سرقة ثورة الشعب بالكذب والتزوير والتضليل، وعسكرة الدولة، وكبت الحريات، ومنع الإحتجاجات بنص الدستور في سابقة لم يعرف تاريخ الديمقراطيات في العالم نظيرا لها منذ عصر أفلاطون، وتخويف الشعب حتى يصبح الأمن أهم من الخبز، وتجويعه حتى يصبح حقه في الحصول على الرغيف والشاي وطبق الفول أجمل حلم.
وقد كان العاهل السعودي واضحا في رسالة تهنئته للديكتاتور ‘السيسي' بالقول أن الثورة التي أطاحت بالرئيس ‘حسني مبارك' هي "فوضى الضياع" و "المصير الغامض"، وأنه "حان وقت قطاف رؤوسها دون هوادة.. لأن الفتنة أشد من القتل" وفق قوله، في إشارة إلى الإخوان المسلمين ونشطاء الثورة من الشباب المتعطش للحرية والعدالة والكرامة والمتحمس للتغيير الديمقراطي الحقيقي في مصر، والذين يوجدون اليوم رهم الإعتقال، ومنهم من تمت محاكمته بشكل صوري وصدر في حق أزيد من 700 منهم أحكاما بالإعدام في سابقة لم يعرف العالم العربي نظيرا لها حتى في عصر الإنقلابات العسكرية الدموية التي عرفها القرن الماضي.
ومعلوم أن السعودية لا تحب الديمقراطية ولا البرلمان ولا الإنتخابات، وقد جاء في عقيدة ملوك آل سعود أن التمثيل حرام، وأنه لا يمكن إقامة أحزاب لأنها تتعيش من الخلاف وتتغذى على الصراعات المؤدية للفتنة.. وحيث إن.. إذن لا يكون.. وما هو كائن هو بالضبط ما يجب أن يكون.. فاشرب أيها المصري الشاي الأسود باطمئنان واقرأ الفاتحة للعسكر، واعلم أن حكم الشعب الذي ثرت من أجله حكم مرفوض، لأن "الشعب" نفسها كلمة سامة مستوردة من ثقافة اليهود.
وكما تبين اليوم بوضوح، فإن الهدف من الإنقلاب العسكري في مصر، والمعد إسرائيليا والمدعوم خليجيا، هو إغتيال الحلم بسرقة القرار السيادي من الشعب المصري ورهنه لإسرائيل في السر ولأعراب الزيت في العلن، لأنهم هم من يدفعون المساعدات بالقطارة حتى لا يشبع ولا يجوع شعب مصر العظيم فلا يثور مرة أخرى، وفق ما يتوهمون، لأن رابوع الربيع وإيران والإخوان والديمقراطية، خطوط حمر وأخطار وجودية في عقيدة آل سعود.
إنهم يغتالون الرموز و يبررون العمالة
وإذا كان اليهود قد غضب عليهم الرب في السماء بسبب تاريخهم الأسود في قتل الرسل والأنبياء، فإن تاريخ الأعراب أيضا حافل بذبح الأئمة في المحراب وتسميم الزعماء في الفراش، ثم التباكي على عدل عمر وسيف صلاح الدين. تاريخ العرب كله غدر وخيانة ومحن ودم وحزن ودموع، وفي كل عصر يولد لنا اليزيد ليخيرنا بين دين الملك أو كربلاء، بين ‘تل أبيب' أو العودة للعيش في العصر الحجري ما قبل التدوين كما حصل للعراق ولبنان وليبيا ويحصل اليوم لسورية.
ومن يبررون العمالة، ويزينون الخيانة، ويسوقون الذل والوضاعة في قالب "التقية" من كتاب الخراب، ليقبل الناس بإرتماء المحروسة في حضن المتعوسة بدعوى أن مصر المنهارة إقتصاديا، والمهددة بانفجار 90 مليون من الأفواه الجائعة في وجه الدولة، و20 مليون من الشباب العاطل في وجه العسكر، ما يجعل مصر على حافة الإفلاس والفوضى، الأمر الذي اضطرها من باب "التقية" وفق ما يزعمون، للقبول بمساعدات قذرة ملوثة بالدم والإهانة، وأن هذا لا يغير من عروبة مصر ودورها القومي شيئا.. لمثل هؤلاء البلهاء العاطلين في سوق الحرف نقول: أن ما تقولونه كلام جميل، لكنه دجل وكذب لا ينطلي حتى على الأغبياء والمتخلفين عقليا من الناس، لأنه يصدر عن عقل أبله موتور، لا يعرف ما يفعل ولا ما يقول، ولا يجيد قراءة الواقع، ولا يتقن فن تسويق البراءة، في عصر بارت فيه تجارة الشعارات الرنانة، ولم يعد المواطن رقما ضمن القطيع، يأكل في المساء تبنا ويفرش لأحلامه قشا وهو يعلك الهواء ويخال نفسه يأكل لحما.
مصر لم تكن مضطرة للإرتماء في الحضن السعودي والصهيوني من باب "التقية" كما يزعمون، بدليل أن السيسي ما كان له أن يقوم بإنقلابه لولا دعم إسرائيل وتمويل السعودية والإمارات.. وإلا، لماذا رفضت مصر مساعدات ب 10 مليار دولار من إيران و وعود من روسيا والصين باستثمارات ضخمة في قطاع الإنتاج والصناعة العسكرية والمدنية مقابل تحالف وتشبيك مع محور إيران في الإقليم؟..
فعن أي عروبة تتحدثون أيها الأقزام، وأنتم من سقيتم سم غدرها للزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله.. وقبل إغتياله، حرقتم كبده في نار عمان (الأردن)، وغدرتم به في حرب أكتوبر 67، وتآمرتم عليه مع أمريكا والسعودية وإسرائيل.. وعلى فراش الموت في بيت شعبي متواضع يسكنه بالإيجار، ترك على منضدته الصغيرة مبلغ زهيدا (37 جنيه) لا يكفي لسد دين بقال الحي، ومعه ورقة بيضاء كتب فيها شاعر دمشق الكبير ‘نزار قباني': "قتلناك يا آخر الأنبياء.. أريناك غدر العروبة حتى كفرت.. لماذا ظهرت بأرض النفاق؟.. فنحن شعوب من الجاهلية، ونحن التقلب.. نحن التذبذب.. والباطنية.. نبايع أربابنا في الصباح ونأكلهم حين تأتي العشية".. هذه كلمات من نار تغني عن كل تعليق.
إنهم يسرقون العروبة من دمشق
التقارير الإسرائيلية والأمريكية تتحدث عن أن قرب إنتصار "الأسد" في سورية، سيتوجه زعيما عربيا بامتياز، ويعيد للقومية العربية زخمها في الشارع العربي، وفهم هذا التوجه من الإجتماعات التي كان يعقدها السفير السوري في الأردن، وقيل أنه كان يحضر مذ فترة طويلة لنواة من السياسيين والمثقفين والإعلاميين العرب، ليعيدوا ل"العروبة" وهجها الجميل، فتتوحد الشعوب خلف المحور الذي يحارب إسرائيل. هذا معطى صحيح وخطير جدا على إسرائيل والسعودية والأردن.. فتم الإتفاق على إستدعاء الزعيم الراحل ‘جمال عبد الناصر من قبره' لتسويق ‘السيسي' باعتباره إمتدادا لفكره ونهجه. وقصة طرد السفير السوري من الأردن أصبحت اليوم وصمة عار في جبين الملك.
نجح المخطط بالفعل، لكنهم بدل إحياء الزعيم إغتالوا الرمز حين استدعوه في بيئة ملطخة بعار ‘كامب ديفيد' وبمال الزيت الحرام الذي حارب الزعيم واغتاله بالسم لينهي أسطورته الجميلة من حياة العرب.
ودليل ما نقول، أن الوقاحة والخسة والدنائة وصلت بديكتاتور مصر الجديد حدا لم يكن ليخطر على بال أحد، حيث قال بوقاحة منقطعة النظير في خطاب التتويج: "مصر ستظل قلب العروبة النابض". ومعلوم أن الزعيم الكبير جمال عبد الناصر كان قد توج دمشق رسميا لتكون وتضل وتبقى "قلب العروبة النابض" إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكأن جمال عبد الناصر رحمه الله بتسليم العهدة لأسد دمشق، كان يتوجس من خيانة من سيأتون من بعده من عسكر مصر.. وهذا ما كان بالفعل ولا يزال..
وإذا كانت هذه ليست سرقة لثابتة أصبحت من ثرات الأمة المشترك، وأكد ‘أسد دمشق' اليوم قولا وفعلا، أن سورية عربية وستبقى عربية ضد "إسرائيل" حتى آخر نفس.. فكيف يمكن أن نصف هذه الجريمة البشعة التي ارتكبها ‘السيسي' في حق سورية والأمة العربية جمعاء، وأساء بذلك لتاريخ الزعيم ‘ناصر' وروحه الخالدة؟..
ماذا فعل السيسي للعروبة ليستحق الحديث بإسمها؟.. ومن يكون هذا الرجل حتى يختزل الجغرافيا العربية في مصر والخليج دون غيرها؟ وكيف يجرؤ على تهديد إيران التي لم تبادره إلا بالمحبة والسلام والإحترام؟.. ولماذا يرفض إعادة العلاقات مع سورية إن لم يكن إذعانا للرياض وتل أبيب؟.. فعن أي مصر قوية وحرة ومستقلة يتحدث ‘السيسي'؟.. هل كان ذلك لعبة لا تكتمل خيوط المؤامرة إلا بها، فتنزع الزعامة العربية الحقيقية من أسد الشام الذي حافظ على العهد وكان في مستوى حمل الأمانة، لتتحول إلى زعامة وهمية مسمومة يتبجح بها ‘السيسي' وهو لا يعلم ماذا يعد له القدر غدا؟.. هذا ما تؤكده على الأقل الأهداف التي وضعت لخطة الإنقلاب وفق التقارير المشار إليها.
يحدث هذا اليوم في مصر
نعم أيها السادة، يحدث هذا اليوم في مصر، حيث "العروبة" لم تعد على طرفي نقيض مع "الصهيونية" بعد أن دخل اليهود إلى فراش ليلى العامرية واغتصبوا الشرف العربي وداسوا الكرامة، وأصبح العار اليوم مفهوما مجازيا لا يعبر عن الواقع الجديد القائم بين العرب وإسرائيل.. لأنه منذ السادات وإلى السيسي مرورا بمبارك، أصبحت الصهيونية عربية أيضا بعد أن أفتى فقهاء الوهابية بحرمة نصرة حزب الله في حربه ضد "إسرائيل"، وأنه "لا يجوز مقاتلة اليهود في دين آل سعود"، لذلك أصبحت عبارات من قبيل "الصهاينة العرب" أو "الصهيونية العربية" من المفاهيم المستحدثة في قاموس الإهانة العربي.. فكيف لا نكفر بالعروبة لنميز أنفسها عن ثقافة هؤلاء الحثالة؟..
نعم أيها السادة، يحدث هذا اليوم لشعب له حضارة تمتد جذورها عميقا في التاريخ (7 ألف سنة مما تعدون)، وهو من بدأ عصر التجارة بعد أن أتقن فنون الزراعة، حين اخترع السفينة النهرية، وعنها صنع العرب نسختهم من السفينة البحرية الأولى في العالم، التي جابت عباب المحيطات وصولا إلى آسيا وإفريقيا وما وراء بحر الظلمات قبل ‘كريستوفر كلومبوس' النصاب الذي ادعى إكتشاف العالم الجديد زورا وبهتانا.
المساعدات السعودية والإماراتية لمصر تسمى في الإقتصاد "دعما"، أما في السياسة فتسمى "تقييدا" و"تكبيلا" لإرادة مصر وإخضاعا لها لتكون أداة في خدمة المانح. والمانح الذي يسميه السيسي ب"ملك العرب" وتسميه مشيخات الخليج ب"الأخ الأكبر"، أصبح اليوم أشهر من إسم على علم، كلما ذكر إسمه إلا وقفزت للمخيلة العربية النقية كل معاني العمالة والخيانة والإجرام والخسة والنذالة، والجميع اليوم، بمن فيهم محامو الشيطان الذين تطفلوا على حقل الكتابة والإعلام ليسوقوا لبضاعة أسيادهم الفاسدة، يعلمون علم اليقين أن ما يحضر في الكواليس ويعد في الدهاليز، هو نسخة جديدة من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" يقوده محور السعودية، الإمارات، مصر، الأردن، و"إسرائيل"..
هذا الكلام قلناه على هذا الموقع قبل أسابيع حين تحدثنا عن فساد المؤسسة العسكرية في مصر، وإرتباطاتها المشبوهة مع السعودية وإسرائيل من خلال الملياردير الصهيوني ‘نجيب ساوريس' الذي مول حركة "تمرد" وسلمها خارطة الطريق الإسرائيلية – السعودية للتنفيذ.. فكانت مسرحية 30 يونيو أو ما يمكن تسميتها ب"الخديعة" على وزن النكبة والنكسة والهزيمة التي حولها إعلام العسكر في مصر إلى نصر سنة 73.
وأن هدف هذا المشروع الكبير هو: أولا، أن يقوم على أنقاض إيران وحلفائها في المنطقة، لأن السعودية لا تقبل بتقاسم النفوذ مع أحد، وتعتقد أن ‘يهوه' مكن لها في الأرض لتكون زعيمة العرب والمسلمين معا، فتحمي شعب الله المختار من الوعد الآتي الذي بشر به القرآن.
ثانيا، مواجهة الإسلام السياسي الذي تدعمه أمريكا وتشكل تركيا وقطر بيئته الحاضنة، والذي يراد له أن يظل "العصا الغليظة" و "الأداة الفاعلة" لزرع الفوضى الخلاقة في العالم العربي، بما في ذلك السعودية. وهذا مصدر قلق كبير اليوم لدى أمراء المهلكة، ومن يعتقد أن الإخوان سقطوا، عليه أن يراجع التقارير والمخططات الأمريكية والأطلسية في هذا الصدد.
والهدفين المذكورين أعلاه، دفعا ب'السيسي' لأن يعيد تحديد خارطة "العروبة" في المنطقة وفق مجازه وما يتناسب مع حجم أوهامه، لتشمل حصريا مصر ومشيخات الخليج في هذه المرحلة، وليبيا والسودان في المرحلة المقبلة، ليبيا لتنصيب نظام عسكري ديكتاتوري تابع للسعودية ومصر، مقابل إستفادة مصر من الطاقة وفرص عمل لشريحة مهمة من شبابها العاطل.
أما السودان، فلإقتلاع نفوذ إيران من هناك، وقطع طريق السلاح إلى غزة عبر سيناء التي تريد إسرائيل تطهيرها من المهربين من مدخل الحرب على الإرهاب، وهذا ما يجري بالتوازي مع حملة مسعورة لتخوين حماس وإتهامها بالتآمر، دون أن نشاهد محاكمة واحدة تثبت ما تدعيه حكومة العسكر. ونحن لا نغسل هنا ذنوب حماس، على الأقل فيما هو ثابت لدينا من تصرفات القيادة وبعض العناصر في سورية. لكن حزب الله يصر على عدم تخوينها وإيران تعتبرها، برغم كل ما حصل، حركة مقاومة وإمتداد لمحور الممانعة والمقاومة في المنطقة، وبذلك قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
لهذا قال ‘السيسي': إن "أمن الخليج من أمن مصر"، في رسالة مباشرة موجهة لإيران للمرة الثانية، تأكيدا لنفس العقيدة العسكرية الجديدة التي عبرت عنها مصر رسميا خلال مشاركتها في مناورات السعودية الأخيرة، حيث أكد جنرال مصري حينها أن المقصودة بالرسالة هي إيران بلحمها وشحمها لا "إسرائيل" الصديقة والحليفة.
لكن إيران ردت اليوم على لسان مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية ‘أمير عبد اللهيان' بالقول: "إن أمن مصر من أمن إيران"، ما يعني أن إيران ليست العدو، وأن هناك خطأ في العنوان، لأن إيران تعتبر العدو الذي يهدد مصر والأمة العربيبة والإسلامية هو "الكيان الصهيوني" المجرم، وبهذا المعنى، يصبح أمن مصر من أمن إيران. هذا تذكير بطبيعة الصراع وتنبيه لإعادة تحديد بوصلة التوجه حتى لا تخطأ المحروسة موعدها مع التاريخ في ظل التحولات الكبرى التي تعرفها المنطقة، والدور المحوري الذي تضطلع به اليوم إيران في المنطقة. فلماذا يراد إبعاد مصر عن موقعها الحقيقي وتغييب شعبها المجاهد العظيم عن أهم محطة تنتظر الأمة؟
وبهذا المعنى، فنحن اليوم أمام نظام مصري صوري، لا يعبر عن روح الثورة وطموحات الشعب في العزة والكرامة والقرار السيادي المستقل المنحاز لثوابت الأمة وحقوقها المشروعة.. نظام قبل بعار ‘كامب ديفيد' المهين، ويصر على تلبيسه للشعب المصري الرافض له، متجاهلا عن عمد وإصرار، أن قمة الذل أن يعود الشعب المصري ليعيش بلا كرامة تحت أحذية العسكر بعد أزيد من 6 عقود من التجربة التي لم تنتج إلا فقرا ومرضا وتخلفا وفسادا وإستبدادا..
ثم يدخل على الخط محامو الشيطان وكتاب الخراب لينتقدوك ويناقشوك على شاكلة "حاوريني يا طيطة"، فيبرروا لك الخيانة ويقنعوك أن ‘كامب ديفيد' لا يتناقض مع العروبية بعد أن تحول الحكام إلى صهاينة، وأن الخطر المحدق بالأمة هو القادم من وراء مياه الخليج.. فمن يصدق؟
خصوصا وأن إسرائيل تتحضر اليوم من بوابة الإعتراف بالمبادرة "العربية" للسلام ولو شكليا، ليبدأ ماراطونا جديدا من المفاوضات، لكن حينها سيتم الإعتراف الرسمي بإسرائيل والقبول بها كمكون أصيل من مكونات المنطقة، وضمها للجامعة العربية، والتطبيع معها في كل المجالات، ليصلوا إلى الهدف من كل هذه المسرحية، وهو إقامة حلف سياسي، أمني، عسكري وإقتصادي رسمي وعلني، ليكون طبيعيا ومقبولا من وجهة نظر شرعة الأمم ومن مدخل الدفاع عن النفس من الخطر الذي تمثله إيران على الإسلام السني والعروبية معا.
السيسي بعقله الأمني، وباعتباره كان مديرا للبصاصين في عهد مبارك، وبعقيدته العسكرية الأمريكية، وإنفتاحه السري على إسرائيل، والسياسي على محور المؤامرة الرجعي، لا يستطيع أن يكون ديمقراطيا في بلد لا وجود فيه لرأس مال ولا عمال ولا إنتاج ولا ثقافة ديموقراطية ناتجة عن عقود من الممارسة النزيهة والشفافة، وبالتالي لا وجود للأحزاب التي يفترض أن تكون وليدة بيئتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية بالممارسة، لا بالتأسيس والولاء لنيل المباركة.
لذلك، ما يحدث في مصر اليوم هو إنقلاب على الشعب وثورته وتجربته الديمقراطية الفتية، وعودة الدولة العميقة لتتجذر هذه المرة في شكل ديكتاتورية أمنية وعسكرية لا ترحم، لكنها تستعمل القضاء كسيف ‘ديموقليدس' لتصفية معارضيها ومنافسيها حالا ومستقبلا.. وبالتالي، فلا حرية ولا ديمقراطية ولا عدالة ولا كرامة ولا من يحزنون، وكل ثورة وأنتم بخير أيها الحالمون.
في معنى الشرق الأوسط الجديد
في الوقت الذي كان محور المقاومة يتحدث فيه عن سقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد، خرج رئيس الكيان الصهيوني ‘شيمون بيريز' ليعلن بمناسبة ما تعتبره "إسرائيل" عيد إستقلالها: "إننا نعيش اليوم في قلب الشرق الأوسط الجديد، بسبب الربيع العربي الذي أحدث تغييرات كبيرة في المنطقة".
هذا الثعلب الصهيوني الماكر لا يحلم، ولا يتحدث عن مخطط أمني أو عسكري لفرض المشروع بمنطق القوة والقهر مستقبلا، بل يتحدث عن شرق أوسط جديد قائم بالفعل بعيدا عن إدراكنا و وعينا، يقول عنه أننا نعيش في قلبه اليوم.
والحقيقة أيها السادة الكرام، لم أجد لهذا الكلام من معنى سوى من مدخل حلف "السعودية – مصر – إسرائيل" وتوابعه من مشيخات الخليج بالإضافة للأردن. وبتفحص العلاقة بين حكام هذه الدول والمشيخات، يتبين أن العامل المشترك بينها هو العرق الدي قال عنه الرسول الأعظم (صلعم) أنه دساس.
وإذا عرفنا أن آل سعود يهود، كما أن أمير قطر وملك البحرين يهود أيضا من جهة الأم، بل حتى ‘أردوغان' تبين أنه يهودي العرق، لأنه في عقيدة اليهود لا يكون يهوديا إلا من كانت أمه يهودية، وهذا هو الحال مع هؤلاء الحكام العرب. ثم إذا أضفنا لهذا الخليط الهجين ديكتاتور مصر ‘السيسي' الذي تبين اليوم أنه ينحدر من أم يهودية مغربية، سافرت إلى فلسطين المحتلة وحصلت على الجنسية الإسرائيلية، وفق ما أكده تقرير نشرته بالأمس جريدة "فيتيرانز توداي" الأمريكية من مصادر وصفتها بالموثوقة.
ولعل أخطر فضيحة يتداولها الإعلام في الولايات المتحدة اليوم، هي التقارير التي تتحدث أن توجهه المشير ‘عبد الفتاح السيسي' نحو الرئاسة في مصر، يندرج في إطار مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يمثل حلم المشروع الصهيوني منذ سنوات طويلة، وانتهت الجريدة المذكورة إلى القول: "إن مصر أصبحت الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي"، ونحن نضيف لما قالته الجريدة الأمريكية: "بتمويل سعودي وخليجي ومباركة أمريكية من الباطن".
وهذا هو معنى الشرق الأوسط الجديد الذي نعيش في قلبه اليوم كما أكد رئيس الكيان الصهيوني ‘شيمون بيريز'، لأن إحتلال مصر بعد السعودية والخليج، يجعل من المشروع حقيقة قائمة شئنا أم أبينا، ويتوج "إسرائيل" إمبراطورية عظمى قائمة على نفط العرب ومقدسات المسلمين ومستقبل أوطانهم ومصير عيالهم، فتفعل فيهم وبهم ما تريد..
- فهل نمضي الوقت في الجدال الذي لا فائدة فيه وإنتظار أن يسقط المسرح على الممثلين فتضيع الأوطان والشعوب، أم نفكر في كيفية التعامل مع هذا الواقع الرديىء الجديد والتصرف حياله؟..
المصدر: موقع بانوراما الشرق الاوسط 11/6/2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.