من المعروف عن الأميركيين عدم انشغالهم بالقضايا السياسية، ومن حقنا ألا نتوقّع منهم، حين شاهدوا لاعب منتخبهم برادلي يخترق دفاعات الخصوم في مونديال البرازيل، أن يتذكّروا لاعباً أميركياً آخر لكن في ميدان السياسة، يحمل اللقب ذاته، وهو الجندي برادلي الذي أدين بتسريب وثائق سرية إلى موقع ويكيليكس، وحكم بالسجن 35 عاماً. لن نناقش إن كان ما فعله برادلي الجندي عملاً إنسانياً لكونه كشف أسراراً عسكرية تنطوي على نيات أو أفعال عدوانية ضد آخرين، أو أنه فعل ذلك لدوافع تجارية تجعله ارتكب فعلاً شائناً بحق بلاده.. لكن برادلي السجين عاد للمشهد من بوابة انتقاد غياب المصداقية في ما تفعله بلاده، وما تسوقه من تبريرات لسياساتها ومغامراتها العسكرية. برادلي، واسمه الأصلي شيلسي مانينغ، يعلّق الجرس ويقول ما ينبغي أن يفهمه الضحايا، وينبّه الأميركيين إلى أنهم تعرّضوا للكذب والخداع بشأن العراق. الحديث يدور هنا حول التلاعب بالدوافع الحقيقية لتدخّل أميركا في هذا البلد العربي، وفي أفغانستان وغيرها، ويتمحور بشكل أشد وضوحاً حول الغطاء الإعلامي للسياسة وتداعياتها العسكرية، المكلّفة من دماء الأميركيين والشعوب التي تتعرّض للغزو والاحتلال باسم الحرية والديمقراطية. بات واضحاً أن التدخّل الأميركي الذي يحصل تحت هذه الشعارات، يُخرج الشعوب المستهدفة من دكتاتورية متمرّدة إلى دكتاتورية تابعة مطواعة، وتنشر في البلاد كل ما يجعلها تغرق في الفتن وتغطس في حروب أهلية بلا نهاية. وإذا كانت دول ما يسمى «الربيع العربي» تدفع ثمن الخداع منذ ثلاث أو أربع سنوات، فإن «ربيع» العراق يدخل عقده الثاني بلا خضرة، مستنزَفاً غارقاً في الدماء والنزوح والدمار، بسبب التدخّل العسكري الذي قادته أميركا تحت شعار «حرية العراق»، تلك الحرية التي دمرت أسس الدولة، وتركت الشعب فريسة لدكتاتورية الطائفية الأخطر من دكتاتورية الفرد والحزب. برادلي السجين يذكّر المتدثّرين بالحداثوية والليبرالية الجديدة، بأن الديمقراطية المستوردة أنتجت للبشرية فضيحة أبو غريب، وسلّمت العراق للطائفية والفساد، وحوّلت حياة شعبه إلى موت متنقل. لهذا يمكن أن نفهم لماذا تعامل الجيش الأميركي بانتقائية مع الإعلام الذي رافقه في عملياته، وسار معه بالتوازي بعض وسائل الإعلام العربية، في إطار سيمفونية التضليل ذاتها. المصدر: البيان 26/6/2014م