لم تأت مبادرة الإصلاح التي طرحها السيد رئيس الجمهورية في خطاب الوثبة في أواخر يناير المنصرم، نتيجة حوار مباشر ومعلن مع القوى السياسية المعارضة، وإن جاز القول ان اتصالات مع اغلب هذه القوى سبقتها، مما حدا برموزها – القوى المعارضة – أن يكونوا حضورا ليلة الخطاب الشهير، فقد جاء في ذلك الخطاب أن المؤتمر الوطني، واستشعاراً منه بدقة المرحلة التي تمر بها البلاد، قرر أن يقوم بعملية إصلاح شاملة، على مستوى الحزب والدولة، تشمل أربعة محاور رئيسية يأمل أن يدير أهل السودان حولها حواراً وطنياً شفافاً، لا يعزل احداً، ويفضي الى ما يشبه الإجماع بينهم حول كيفية جعل تلك المحاور واقعاً يعيشه أهل السودان، وقد شملت تلك المحاور، السلام والمجتمع السياسي الحر ومعالجة الاقتصاد وإنعاش الهوية الوطنية، لم يمض وقت طويل على طرح تلك المبادرة حين كتبنا هنا أن القوى السياسية المعارضة تخطئ إن هي حسبت أن تلك المبادرة جاءت نتيجة ضعف النظام وفي سياق بحثه عن منقذين، وتعاملت معها على هذا الأساس، وأن المؤتمر الوطني يخطئ إن ظن أن القوى السياسية ستقبل على مبادرته تلك طمعاً في ركوب قطار السلطة، وقلنا إن الأفضل للطرفين أن يحتفظا بتقديراتهما جانباً، ويقبلا بروح وطنية على الحوار حول المرتكزات التي تم طرحها، لكن يبدو أن السفن لم تجر على ما اشتهينا، وأن أثقال التاريخ ومرارات الصراعات أقعدت بمسيرة الحوار أن تتحرك، اذ لا تزال صافرة الحوار لم تنطلق بعد، برغم مضي نحو ستة أشهر على بداية الإعلان عن انعقاد العزم على تسيير تلك الرحلة. لست هنا بصدد البحث في من هو الطرف المتسبب في ذلك، وإن كان المنطق يقتضي القول إن طرفي الحوار يتحملان جانباً من مسؤولية التأخير، وإن بدرجات متفاوتة لكن المهم هنا هو الإشارة الى أن الوقت مضى وترك قطار الحوار في محطته الأولى دون أن ينتظره، ومع مضي الوقت وجدت الدولة أن استحقاقات أخرى يدنو أجلها ويتعين أن يتم اتخاذ تدابير بشأنها، وكان على رأس هذه الاستحقاقات موضوع الانتخابات والتي قام عليها التفويض الدستوري لأجهزة الدولة من برلمان وحكومة وغيرهما، ولهذا كان من الطبيعي أن تتخذ أجهزة الدولة كل التدابير اللازمة التي تضمن الحق لجمهور الناخبين أن يعبروا عن إرادتهم مجدداً في الآجال التي أقرها الدستور. على أن مضي الوقت باتجاه الآجال الدستورية لأجهزة الدولة، والشروع في التدابير اللازمة لتجديد التفويض عن طريق الانتخابات، لا ينبغي أن يوصد الباب أمام انطلاق مسيرة الحوار، اذ لا يزال في الوقت مساحة للحوار الجاد وللتوافق الوطني حول مختلف القضايا، إن أقبلت أطراف الحوار عليه بروح الجدية اللازمة، وإلا فلا مناص من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع في آجالها المضروبة، وترك الفرصة للناس أن يقرروا مصائر المؤسسات ما دامت القوى السياسية قد عجزت عن ذلك. نقلاً عن صحيفة الرأي العام 15/7/2014م