يجيء يوم 28 أغسطس، للذكرى الحادية والخمسين لخطاب (لدي حلم) الذي ألقاه القس مارتن لوثر كينغ زعيم حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، وهم يشهدون أكبر نكسة في هذه الحقوق خلال العقود الخمسة الماضية. في ذلك اليوم ومنذ خمسين عاماً ألقى مارتن لوثر كينغ كلمته عند نصب لنكولن التذكاري أثناء مسيرة للحرية في واشنطن وذلك في العام 1963م. وفي ذلك الخطاب أطلق عبارته الشهيرة التي خرج بها عن النص المكتوب: "لدي حلم، هو أن تنهض هذه الأمة في أحد الأيام وتنصرف إلى عيش مبادئها، نتمسك بهذه الحقائق التي تؤكد أنّ الناس يولدون متساوين" . وما يحدث الآن في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري قريباً من توقيت هذه الذكرى ومنذ التاسع من أغسطس، خلق حنقاً وأخرج هواءً حاراً من صدور الأمريكيين السود أعادوا فيه ما حدث ويحدث لهم من مشاكل عرقية. وما حادثة إطلاق الرصاص على الصبي الأسود مايكل براون (17 سنة)، من قبل ضابط الشرطة الأبيض دارن ويلسون بمدينة فيرغسون والتي أدت إلى مقتله إلّا واحدة من جملة اعتداءات يتعرض لها السود في هذه الولاية التي يشكلون أغلبية سكانها. وهذه الحادثة اجترّت قضية اللون والعنصر التي ما زالت تشكّل هاجساً يقضُّ مضاجع المثقفين الأفارقة على اختلاف مشاربهم. فما حدث من فظائع قديمة سودت صحف التاريخ الإنساني وما يحدث الآن من صراعات ذاتية يحاول بها المثقفون الخروج من نفق التمييز من خلال الأعمال الأدبية والملحمية المختلفة كان بسبب استحواذ هذا اللون على حيز واسع من وجدان المثقفين. وعادة ما يتبادر إلى الذهن أنّ أي نجاح أفريقي في المجالات الإنسانية لا يأتي إلّا ممزوجاً بألم عظيم. هذا الألم خلقته حقيقة الانفعال في خلَد الإنسان الإفريقي نتيجة المعاناة الطويلة، فهو يلمس الأشياء والأحداث بروحه وعقله وحسه ويُخرج من قلبه مثل خطبة مارتن لوثر كينغ المؤثرة "لدي حلم" ، أو مثل النجاح الكاسح الذي حققه أوباما في فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليصبح أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية لفترتين رئاسيتين. يعتقد البعض أنّ فوز باراك أوباما هو نوع من التكفير عن سياسة الفصل العنصري الذي مارسته أمريكا من قبل. ولكن لا يستقيم هذا الاعتقاد مع عدم إيمان المجتمع الأمريكي بالصدفة. لأنّ هذا التنصيب لم يأتِ صدفة ولا عطفاً وشفقة ولكن بالعمل الدؤوب وبتبني أفكار عن تجارب مريرة في السعي لنيل الحرية وما تجربة نلسون مانديلا الخالدة ببعيدة، ولا حلم مارتن لوثر كينغ في محيطه الأمريكي بالمساواة في الحقوق المدنية. في مجال السينما عرضت هوليوود أعمالاً تنبأت بدخول رئيس أسود للبيت الأبيض آخرها جسده المسلسل التلفزيوني "24 ساعة" الذي قام فيه بدور الرئيس الأمريكي الأسود ديفيد بالمر الممثل "دينس هايسبرت" ، وأعمال أخرى ناقشت قضايا اجتماعية وسياسية معقدة كفيلم "ماكوم إكس" للممثل دينزل واشنطن و"التاريخ الأمريكي ×" الذي كان بطله إدوارد نورتون. هذه الترجمة للواقع تمت بفضل ما يسميه الأدباء "التجربة الشعورية" التي جاءت بنظرة موضوعية شاملة تميزت بصدق التعبير وميلها إلى نقل الحقائق بما يتناسب مع جو التعبير الفني والأدبي. ويمكننا أن نرى بوضوح استعانة الأدباء والفنانين بوقائع التاريخ وتجميل أعمالهم بشيء من الأسطورة مع مزجه مع الواقع المعاصر بإضاءة لمسة سحرية ساعة ميلاد القصة الفنية أو القصيدة أو غيرها من الأشكال الفنية والأدبية. إنّ تبني القضايا من خلال الأعمال الأدبية والفنية وتحقيقها على أرض الواقع لا يأتي بالأماني فما حققته أمريكا زُرع أولاً وجنيت ثماره الناتجة عن قيم المجتمع الأمريكي وإيمانه بها. فأفلام كهذه معظم كاتبيها ومخرجيها مزيج من البيض والسود، لم يكن ليُكتب لها النجاح ما لم يكن هناك صدق في أدائها وتقديمها للجمهور وما لم يكن هناك إيمان كامل بما تقدمه. وفي أحاديث تدعي البحث عن الحقيقة بعيداً عن الإيمان بالتعددية التي لخصها المؤرخ الاجتماعي الأمريكي "ديبوا" في"رسالة الروح الزنجية إلى العالم" تقول: "تاريخ الصراع من أجل تحقيق الشعور الذاتي لدى الفرد بآدميته الكاملة عن طريق دمج جانبي شخصيته في ذات واحدة أفضل وأكثر صدقاً" . إنّ قضية مقتل صبي فيرجسون ليست في رصد الانتهاك وإنّما في استدعاء الانتهاكات القديمة ضد السود ما يعني تجذراً للعنصرية لم تفلح معها سنوات النضال من أجل الحقوق، ويشير بشكل آخر إلى أنّ ضمانات هذه الحقوق يتم اختراقها بذرائع واهية لتبريرها. المصدر: الراية القطرية 27/8/20014م