بالأمس انطلقت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا الجولة السابعة من المفاوضات المتعثرة بين حكومة الخرطوم وقطاع الشمال دون أي فوارق بينها والجولة الثانية التي عقدت في أغسطس 2012 على أنقاض الجولة الأولى، تلك التي سرعان ما وئد اتفاق نافع - عقار المتمخض عنها في يونيو 2011 بعد أسابيع من اندلاع النزاع في جبال النوبة، وكان ذلك سببا وجيها لانتقال المعارك في سبتمبر من ذات العام إلى ولاية النيل الأزرق بحيثيات هي ذاتها التي ستجعل من الجولة الثامنة إن قدر لها الانعقاد نسخة باهتة من سابقاتها. لم يكن إعلان أحمد هارون مرشح المؤتمر الوطني واليا منتخبا للولاية التي تنتج ما تبقى من النفط على حساب مرشح قطاع الشمال عبد العزيز الحلو إعلانا لحكومة ولائية جديدة بقدر ما كان إعلانا لحرب بدأها خصمان وأي منهما يريد لها أجلا قصيرا يفرض من خلاله أجندته وليس حربا متطاولة تديرهما ولا يديرانها. فقطاع الشمال كان يريد لفت أنظار المجتمع الدولي لقضاياه العالقة والتي لم تجد نصيبها من التنفيذ ضمن نصوص نيفاشا، بينما رأت الحكومة في إطلاق القطاع للرصاصة الأولى مبررا وغطاءا إخلاقيا لتحجيمه عسكريا ضمن خطة عسكرية سريعة تسهل عليها عملية التفاوض لإنفاذ بند الترتيبات الأمنية. ولأن الحرب لم تكن خيارا استراتيجيا لأي من الطرفين لم يجدا بداً من الدخول في مفاوضات سريعة بأديس أبابا برعاية أمبيكي مع تمثيل رفيع لكلا الوفدين. حيث ترأس الجانب الحكومي مساعد الرئيس وقتها نافع علي نافع وترأس وفد القطاع رئيسه مالك عقار وهو ما سهل التوصل لاتفاق إطاري بعد أيام قلائل اصطلح عليه باتفاق نافع عقار. ونسبة للنفوذ الذي كان يتمتع به ممثل الحكومة كان مفاجئا لكثيرين إعلان الرئيس البشير بعد أيام رفضه للاتفاق الذي نص على وجود شراكة سياسية بين الطرفين على غرار الشراكة بين الحركة الشعبية الأم والمؤتمر الوطني المنصوص عليها في نيفاشا. وكان هذا الرفض كفيلا بانتقال المعارك في سبتمبر 2011 إلى ولاية النيل الأزرق التي كان يشغل فيها رئيس القطاع مالك عقار منصب الوالي بناءً على انتخابات 2010 والتي كانت نتيجتها أيضا محل نزاع وشكوك بين الطرفين. وبعدها عمد قطاع الشمال إلى التصعيد ومحاصرة الحكومة وهو يؤسس تحالفا عسكريا مع حركات دارفور الثلاث باسم الجبهة الثورية بعد شهرين من انتقال المعارك إلى النيل الأزرق وتحديدا في نوفمبر 2011. وردا على تأسيس الجبهة الثورية التي نص منفستو تأسيسها على (إسقاط النظام بالقوة) أعلنت الحكومة حملة عسكرية ضد القطاع وحركات دارفور لتنهي بذلك أي أمل لدى الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي لاستئناف التفاوض مكتفيا بالسعي لحلحلة القضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا بوصفها تنهي تلقائيا أزمة القطاع. وخلال هذه الفترة شهدت جبهات القتال الثلاث تصعيدا عسكريا كان يتغذى ويغذيه التصعيد العسكري بين الخرطوم وجوبا الذي بلغ ذروته في أبريل 2012؛ حيث احتل الجيش الشعبي منطقة هجليج لتدخل بذلك الأزمة لمنعطف دموي سارع مجلس الأمن لتفاديه بإصدار القرار 2046 في مايو من ذات العام، والذي ألزم الخرطوم والقطاع بتسوية نزاعهما بجانب النزاع بين أحدث جارتين. ورغم أن أي طرف كان يحمل تفسيرا مناقضا لتفسير الآخر حيال القرار 2046 إلا أنهما دخلا في جولة مفاوضات غير مباشرة في أغسطس 2012 لكنه لم يحرز أي تقدم باستثناء توقيع أي طرف على حدة اتفاقا مع الآلية الثلاثية التي تضم الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية بشأن تمرير المساعدات الإنسانية لم يقدر له التنفيذ حتى الآن بسبب خلاف الخصمين حول التفاصيل الفنية المرتبطة بشأنه. حيث تشترط الخرطوم أن يسبقه اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار، بينما يحدد القطاع تمرير المساعدات كأولوية وهو ما تتخوف منه الحكومة بحجة أن تمرير المساعدات دون وقف إطلاق النار سيذهب بها إلى مقاتلي القطاع بدلا عن المدنيين. ولم يقتصر الخلاف حول القضايا الإنسانية على البرنامج الثلاثي فقط. حيث أعلنت الأممالمتحدة في نوفمبر 2013 فشل حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في جنوب كردفان والنيل الأزرق بسبب خلاف الطرفين حول تفاصيل اتفاق مؤقت لوقف العدائيات لا يتعدى الأسبوع. ويعود فشل الجولة الثانية بالأساس إلى اختلاف الطرفين حول أجندة التفاوض. حيث اشترطت الخرطوم التفاوض مع قطاع الشمال على قضايا ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق فقط، بينما طالبت الحركة بأن يكون التفاوض شاملا كل أزمات البلاد على رأسها أزمة الحكم ويؤسس لتحول ديقراطي في البلاد واقتسام عادل للسلطة والثروة بين أقاليم البلاد. وانهارت في أبريل 2013 جولة المفاوضات الثالثة لذات الأسباب، لكن الانهيار كان مغايرا، إذ تبعه بساعات تنفيذ قطاع الشمال لهجوم مشترك مع حلفائه من حركات دارفور على عدة مناطق في جنوب وشمال كردفان أبرزها أم روبة وأب كرشولا. وكان هذا الهجوم الذي يعد الأكثر جرأة من بين كل الهجمات التي نفذتها الجبهة الثورية سببا رئيسا لتعثر عقد جولة جديدة من المفاوضات قبل أن يتمكن أمبيكي من إقناع الطرفين بدخولها في فبراير الماضي وكانت هي الأخرى تحمل جديدا تمثل في النزاع المسلح الذي اندلع في الدولة الوليدة بين سلفاكير ميارديت ورياك مشار. حيث رأت الخرطوم أن ظهر خصمها قد انكشف بجانب دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس البشير في يناير الماضي والتي رأى فيها الوسيط أمبيكي حلا تلقائيا للخلاف حول أجندة التفاوض. لكن انتهت الجولة إلى لا شيء. حيث اضطر الوسيط لتعليقها لمدة 10 أيام قبل أن تستأنف في مارس وترفع مرة لتستأنف الجولة السادسة في أبريل الماضي ولم يكن حظها أفضل من سابقاتها، ليبق السؤال قائما عن حظ الجولة الجديدة وطرفيها يدخلانها بالأجندة القديمة ذاتها، مع خلط الأوراق الذي أفرزته دعوة الحوار وفي صدارتها رغبة القطاع المستبطنة ليكون التفاوض تحت مظلة إعلان باريس وليس الجبهة الثورية فحسب. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 13/11/2014م