احتشد الزعماء والرؤساء ضحى الأمس تحت قبة البرلمان السوداني في أم درمان التاريخ وعند خاصرة نهر النيل حيث يقترن فرعاه الأبيض والأزرق، فالتقى الزعماء الأفارقة والقادة العرب بالحضور الشخصي لسبعة رؤساء دول وخمسة رؤساء حكومات ونحو ثلاثين ممثلاً ومبعوثاً من جل قارات العالم، ليرسموا لوحة أخرى توازي مجمع البحرين خلف مبنى البرلمان تقول إن السودان قلب أفريقيا النابض الدفاق الهادر المزمجر وحصن العروبة الحصين الذي تعرفه عندما تدلهم الخطوب، فهو ملتقى الحضارات والقوميات والأثنيات مثلما هو ملتقى النيلين، بذلك الحضور البهي بالأمس في أم درمان يعلن الرئيس المنتخب عمر البشير في خطاب واضح وصريح طي صفحة مليئة بالتضحيات من قبل الشعب السوداني ومشوبة بالاستهداف والمعاناة والصبر من أجل تعبيد طريق النهوض والعمران، وفتح صفحة جديدة واعدة متعهداً عند أدائه القسم بعهد جديد يستصحب صبر الشعب على كل برامج النهوض الاقتصادي وما أفرزته من معاناة، لقد صوب الرئيس البشير نحو قضايا الوطن في كل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتنبه إلى تعزيز البناء الاجتماعي ونبذ القبلية والعنصرية، وأعلن عن اكتمال الترتيبات لمضي الحوار المجتمعي عاجلاً نحو غاياته. وقدم معاش الناس إلا على أمنهم الذي لا يحسن المعاش من دونه، فجمع بين التصدي للذين يسعون لزعزعة الاستقرار، وإعلان العفو عن الراغبين في الحوار من المتمردين من أبناء الوطن ومازج بين تحقيق السلام ومطلوبات العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وقارب بين مركزية البناء القومي والوطني وفيدرالية الحكم من خلال التنادي إلى تقييم وتقويم تجربة الحكم الاتحادي، ولم ينشغل بالحوار السياسي والحزبي الذي خطط له ليصب في خانة الخروج بدستور دائم للسودان يضع حداً للدساتير المؤقتة والانتقالية وعلاجاً لمشكلات الحكم وعلاقة السلطة بالمجتمع، ووضع معاش الناس في الأولوية من خلال تعزيز الإنتاج والإنتاجية عبر ثورة زراعية شاملة تفجر الأرض سنبلاً ووعداً وتمني، وتنمية اقتصادية تعود بالرخاء على المواطن ليس بالأماني بل عبر وقائع ملموسة وخطط مدروسة وعزيمة بائنة في تطويع كل الإمكانات لإدراك هذه الغايات. حاشية : ما لفت انتباهي وشدني بقوة هو أن خطاب السيد رئيس الجمهورية جاء في وعاء استراتيجي عميق لم ينس الرؤية الإستراتيجية للسودان التي يتطلع إلى تحقيقها في العام 2031م باستكمال بناء أمة آمنة موحدة متحضرة، ولم ينظر إلى فترته الرئاسية بأعوامها الخمسة إلا كخطة مرحلية لا تنفصل عن المسار الاستراتيجي لبناء الدولة، وحلل معطيات البيئة الداخلية ووصف مظان التحسين فيها بالحوار والوحدة والتراضي على الثوابت الوطنية عبر دستور دائم، واستوعب البيئة الخارجية بالانفتاح في السياسة الخارجية وتوظيف العلاقات الدبلوماسية لصالح الاقتصاد الوطني، وأعلن الاستعداد لعملية تغيير استراتيجي تحت مسمى الإصلاح الشامل لاستكمال مقومات النهوض، واستشراف المستقبل بذات العبارة، فحسبنا من الخطاب أن تتعمق عملية الوعي الاستراتيجي هذه عند الساسة لندرك جل ما قاله بيسير الجهد وكثير الشفافية والإصلاح. نقلاً عن صحيفة الرأي العام 3/6/2015م