لم أكن واثقاً بهذه الدرجة من أن التأني الذي تتم ممارسته حالياً وعدم الاستعجال علي بدء فعاليات الحوار سببه الرئيسي انتظار عودة الإمام الصادق المهدي وانخراط حزب الأمة في تلك الفعاليات.. ولظننت كغيري ن لذلك أسباباً أخري.. ولكن اعتراض المؤتمر الشعبي بحدة علي خبر تأجيل انطلاق الحوار الوطني حتي أكتوبر القادم، عزز ثقتي في أن الإمام هو المقصود بتأجيل الحوار، فبمجرد تصريح الأيمن السياسي للمؤتمر الشعبي الأستاذ كمال عمر برفض حزبه فكرة تحديد شهر أكتوبر القادم موعداً لانطلاق الحوار تأكدت لي تحليلاتي الخاصة بأن الحزب الحاكم كلاعب رئيس في الحوار يمارس الصبر والتأني حتي تفلح الجهود المتعددة في إقناع المهدي بالعودة إلي السودان والجلوس إلي المائدة المستديرة. وقد كتبت هنا من قبل أن حواراً لا يستوعب حزب الأمة القومي والقوي المؤثرة الأخرى بما فيها ممثلو الأطراف المتأثرة بالصراع لن يفضي إلي الحل النهائي المرتقب.. ولكني أود هنا أن أتطرق إلي لعبة (توم وجيري) التي يمارسها حزبا الأمة القومي والمؤتمر الشعبي في هذا الصدد، وإن شئنا أن نكون أكثر تحديداً فهي ما بين الإمام الصادق المهدي والشيخ حسن الترابي، فهما يصران علي أن يتخذا وضع طرفي المجداف، إذا رفعت طرفا منه انخفض الآخر، وإذا قربت إليك أحد رأسية ابتعد الآخر بالضرورة. وأنا هنا لا أحاول أن أعلن سراً، فهذه الوضعية يعلمها المهتمون بالشأن السياسي، بل ذهب بعض المراقبين جازماً إلي أن اندفاع الشعبي وزعيمه الترابي نحو الحوار منذ البداية هدفه الرئيس هو إبعاد حزب الأمة وزعيمه المهدي عن الطاولة، ويؤكد هؤلاء أن الصادق كعادته استجاب لاستفزاز الشعبي فاتخذ من الخطوات ما جعل رفضه للحوار بعد موافقة وتشجيع أمراً مبرراً، بل وتمادي في ردة الفعل لدرجة الخروج والتحالف مع الحركات المتمردة في إعلان باريس ومن بعده نداء السودان، وبالمثل انطلق المؤتمر الشعبي في الاتجاه الآخر إلي درجة التلويح بقرب الاندماج مع الوطني. ما هو سر هذا التنافر الحاد بين الشيخين، ما هي دوافعه التي جعلته يستمر في حال تصاعد منذ السبعينيات علي إثر التحالف القوي الذي جمع الطرفين في مقاومة مايو ومهاجمة الخرطوم في قوة عسكرية مشتركة في العام 1976؟.. الخصومة التي تضرر الوطن جراء استمرارها ولا يزال، والتي تعتبر أحدي واجهات القطبية الحادة التي عقدت أزمات السياسة السودانية. لا بد من مشاركة الإمام وحزبه في الحوار الوطني، ولابد من مشاركة الشيخ الترابي وحزبه، فذلك ضرورة من ضرورات نجاح الحوار الذي يتطلب مشاركة الجميع ما أمكن، وبخاصة القوي المؤثرة في السودان. ولابد أن تعلم كافة الأطراف أنه (حوار) بالمعني الدلالي الكامل لعبارة حوار، فلا يستبقون النتائج ويضعون التصورات لمآلاته ويعبرون الجسر قبل بلوغه. وهذا يستلزم من الطرفين التغاضي عن كل مسببات الخصومة مهما كبرت، رأفة بهذا الوطن. نقلا عن صحيفة الصيحة 27/7/2015م