يزداد الترقب في المرحلة الراهنة لاختبار السياسات التي ستبادر بها الحكومة الجديدة في السودان، في أعقاب الانتخابات الأخيرة . ويرتبط هذا الترقب، بما هو منتظر في أفق الأسابيع القليلة القادمة من اعلان للتشكيلة الحكومية التي ستواجه العديد من التحديات الصعبة، خصوصا بالنسبة لملفي «الجنوب» و«دارفور». انه لا يمكن الآن التقليل من حجم تلك التحديات، خاصة وان هنالك وجودا واقعيا للمجتمع الدولي في الساحة السودانية، ونقول ذلك باعتبار أن ملف (سلام جنوب السودان) مرتبط بمنبر شركاء «الايقاد» وبداخله عدة دول افريقية وأخرى غربية. ففي هذا الجانب لا يمكن للحكومة الجديدة المرتقبة أن تبعد ما يمكن تسميته ب «رقابة المجتمع الدولي» على سياساتها واجراءاتها العملية تجاه الكثير من القضايا ومنها مثلا مسألة انفاذ استفتاء تقرير مصيرجنوب السودان من خلال تصويت أبناء الجنوب لتحديد آرائهم الحرة في يناير 2011 . ومن جانب آخر، فإن المجتمع الدولي ما يمكن تسميته ب «الشراكة» في معالجة أزمة دارفور، اذ ان هنالك قوات حفظ سلام «أممية - افريقية» متواجدة في اقليم دارفور، منذ فترة ليست بالقصيرة، كما أن هنالك جهود الوساطة القطرية المتمثلة في منبر الدوحة لمحادثات سلام دارفور، وهو ما يعكس حقيقة أن المجتمع الدولي وفي قلبه الدول الشقيقة والصديقة الحادبة على مصلحة السودان وأهله، يهمه أمر دارفور تطلعا لايصال سفينة التسوية السلمية لهذه الأزمة الى بر الامان المنشود. ان الاعتراف بصعوبة التحديات المطروحة أمام الحكومة التي سيشكلها المؤتمر الوطني، في الأيام المقبلة، اثر اجراء الانتخابات الأخيرة، يجعل من المهم ابداء آراء صريحة حول المنتظر من معالجات سياسية، بشأن ملفي الجنوب ودارفور. اذا نظرنا الى قضية الجنوب، في مستوى تطوراتها الحالية، فإن هاجسا حقيقيا يأخذ في التشكل الآن، ولا مجال للهروب من مواجهته، بغرض تفتيت ما يشتمل عليه من نذر خطيرة ، وذلك الهاجس هو «احتمال انفصال الجنوب». ان هذه المسألة تتصل حاليا بتراجع نسبة الثقة بين شريكي اتفاقية نيفاشا للسلام، وهما «المؤتمر الوطني» و«الحركة الشعبية». لقد رصد العديد من المراقبين تصاعد «النبرة الانفصالية» في حديث العديد من قادة «الحركة» خلال الاسبوع الماضي . ومن ذلك ما أطلقه زعيم الحركة سلفا كير ميارديت، حينما هاجم تيارا داخل «المؤتمر» يعرقل ما اصطلح على تسميته ب «الوحدة الجاذبة»، وعاد كير ليتحدث عن انه لا يمكن القبول بأن يظل مواطن جنوب السودان «مواطنا من الدرجة الثانية». ان الترقب لاحتمالات الآتي من سياسات في الفترة المقبلة يرتبط اساسا بالمناخ السياسي الذي يسود الساحة السودانية راهنا . وهنا تبدو حقيقة واضحة لا مجال لانكارها وهي تبلور آراء سياسية لدى « 3» من رموز «الأحزاب الشمالية المعارضة» تميزت بالانتقاد الشديد لسياسات حزب المؤتمر الوطني مما يستوجب على الأخير دراستها وتلمس الحلول الممكنة عبر شتى وسائل العمل السياسي والجماهيري المطلوبة، لمواجهة كافة تحديات الواقع الراهن على الساحة السودانية. في هذا الاطار التحليلي لكلمات وآراء سياسية لرموز حزبية شمالية، نجد ان الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي يستشعر - وفقا لما يرتأيه - تصاعد احتمال «انفصال جنوب السودان». لقد قال الترابي عبر حوار أجرته معه الصحفية المصرية أسماء الحسيني - نشر بصحيفة سودانايل الالكترونية الاسبوع الماضي - ان «الجنوب يمضي نحو الانفصال»: مضيفا ان سبب ذلك هو «أن ذات الوجوه التي نفرت الجنوب من الوحدة مستمرة في ذات السياسات». وكان مثيرا قول الترابي إن الموقف الأميركي تجاه السودان «سيظل داعما للانتخابات وما نتج عنها حتى ينفتح الباب دستوريا لتقرير المصير في الجنوب». اذا تحولنا عبر رؤيتنا التحليلية لنقرأ جانبا من آراء أعلنها السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) للوضع السياسي الراهن في السودان، فنجد انه يركز انتباهه صوب محور معين وهو قضية الانتخابات وما احاط بإجرائها ونتيجتها العامة من جدل لم يخفت بعد. اذ طالب الميرغني خلال اجتماع للجنة التنفيذية لحزبه الخميس الماضي ب «اعادة الانتخابات قبل نهاية العام الحالي أو في بداية العام المقبل». والمثير - كذلك - ان الميرغني «حذر جهات داخلية وخارجية لم يسمها من غضبة الشعب السوداني» على حد قوله، والتصريح نشرته «الرأي العام» السودانية، في يوم الجمعة الماضي. الى ذلك فقد دعا السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي المعارض الى ما أسماه ب «طريق ثالث لانقاذ السودان يقوم على حكم مدني يستمد مرجعيته من الدين». وقال «انه ليس امام السودان سوى سبيلين بعد الانتخابات الاخيرة، فإما ان يمضي المؤتمر الوطني في تعنته، بحسب نص تصريح الصادق المهدي، واما أن يعمل هذا النظام من اجل الانفتاح على المعارضة والمجتمع». ان المطلوب من الحكومة السودانية المقبلة، في أعقاب الانتخابات، برغم تحفظات العديد من الأطراف على اجرائها ونتيجتها، كثير. ولكن الأساس للنجاح في تجاوز عقبات الطريق يتمثل في إعلاء المصداقية وذلك بقراءة مشكلات الواقع بشجاعة، ليكون ذلك مدخلا الى معالجات تتسم أيضا بالشجاعة، وتحقق ما هو مأمول. المصدر: الوطن القطرية 11/5/2010