ما من شك أن أسطع دليل مادي على ان الاستفتاء الإداري في إقليم دارفور حقق نجاحاً تاريخياً مبهراً، وأنه وضع الإقليم بجدارة في نصابه السياسي والأمني والاجتماعي الصحيح أن الولاياتالمتحدة -إحدى أكثر القوى الدولية التى تعبث في الإقليم- امتعضت وأبدت استياءاً مؤسفاً ومخجلاً حيال ممارسة ديمقراطية. دولة ديمقراطية عظمى، أو هكذا تدعي تعارض وتغتاظ من الممارسة الديمقراطية وتحشر أنفها المحمرّ خجلاً فى شأن لا يعنيها ولا يخصها لا من قريب ولا بعيد. البيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية بوجهه السالب هو في الواقع بمثابة تأكيد للوجه الايجابي للعملية الديمقراطية التي شهدها الاقليم، والأسوأ حظاً في مجال الدعاية السوداء، والمكايدات الدولية والعبث الاستخباري. ولهذا فإن حصول الاستفتاء بنسبة تصويت تجاوزت ال80% يعطي دليلاً أكثر قوة على أن اقليم دارفور: أولاً، إقليم آمن تماماً ليست به أية أنشطة مسلحة لأنه لو كانت به اية أنشطة مسلحة لما تسنى قط إجراء الاستفتاء. ثانياً، إن الاقليم مظلوم اعلامياً من قبل القوى الدولية التي تتحدث عن مأساة وجرائم حرب وإبادة جماعية في حين إن سكان الاقليم شكلوا حضوراً لافتاً وجدير حقاً بالانتباه في أول ممارسة ديمقراطية تحدد مصيرهم الاداري ما بين الابقاء على الولايات كما هي وما بين التحول إلى اقليم واحد، لو كان صحيحاً -ولو بنسبة 1%- أن اقليم دارفور فيه ضحايا وجرائم حرب لما سارع هؤلاء الضحايا للمشاركة في استفتاء إداري بكل ذلكم الهدوء الذي شهدت عليه أكثر من 500 منظمة طوعية وطنية وأجنبية. ثالثاً، الهدوء الواضح الذي شهده الاقليم قبل وأثناء الاستفتاء في حد ذاته بمثابة شهادة قاطعة على ان الحديث عن حركات مسلحة أو مؤيدين لها هو محض هراء. رابعاً، تزامن انهيار آخر معاقل الحركات المسلحة (حركة عبد الواحد في جبل مرة) مع عملية الاستفتاء يكشف عن زيف إعلامي مصنوع إن حركة عبد الواحد تسيطر على معاقل مهمة ومعسكرات نازحين وأن لديها قواعد جماهيرية! هذا يكشف مدى زيف هذا الادعاء الأجوف، إذ لو كان صحيحاً ان عبد الواحد (قوي) و يسيطر على مناطق مهمة ولديه قواعد جماهيرية حقيقية لما نجحت عملية الاستفتاء -بأي نسبة كانت- ولما لحقت بحركة عبد الواحد نفسه تلك الهزيمة الماحقة. خامساً، الاستفتاء الاداري نفسه أوضح أن أهل الاقليم -من حيث كونهم مواطنين سودانيين- ليسوا طرفاً بحال من الأحوال في النزاع العبثي الذي تقوده الحركات المسلحة وهذه النقطة على وجه الخصوص هي الأهم والأخطر في المشهد برمته، فقد ذاع على المستوى الدولي ان أهل دارفور لديهم مشكلة مع السلطة الحاكمة وأنهم يتعرضون لمذابح بينما الصحيح ان هناك حركت مسلحة ممولة من قوى دولية هي التى تقود الصراع ولا تمثل أحداً من أهل الاقليم. وهكذا يمكن القول ان الاستفتاء الإداري لاقليم دارفور دفع بالاقليم إلى مراقي مهمة في الأمن والاستقرار، فهو أحدث نقلة وعلامة فارقة ما بين ما يقال جزافاً في الاعلام الدولي، وما بين حقائق الواقع الصحيحة. نقل هذا الاستفتاء دارفور من الصراع إلى الإقتراع، وحوّل كل صناديق الذخيرة الأجنبية المستجلبة من الخارج -ظلماً وعدواناً- إلى صناديق اقتراع يمارس من خلالها إنسان الإقليم بكامل حريته واختياره حقه في ممارسة ديمقراطية الاختيار الإداري حول طبيعة الاقليم الإدارية.