تربطني بالتجربة الصينية علاقة احترام واعجاب "بالتأكيد من طرف واحد" لكنني - أسفا - لم افكر بزيارة هذا البلد ، ولم اكتب عنه بما يستحقه ، الى ان قرأت كتاب الصديق الاستاذ سامر خير احمد: "العرب ومستقبل الصين" فأعجبت بما انتهى اليه من افتراضات وتصورات ، وانشغلت عن الكتابة حوله ، ثم التقيت فضيلة مفتي مصر الدكتور علي جمعة ، وسألته: هل تفكرون باجراء حوارات بين المسلمين واخوانهم في الصين ، وهل يجوز شرعا ان نتحاور مع البوذيين والهندوس واتباع الكونفوشيوسية. ابتسم الرجل وأكد لي ان هذا الموضوع يشغله كثيرا ، وانه من اشدّ المتحمسين لمثل هذه الحوارات ، خاصة مع اتباع المعتقدات في الصين تحديدا ، اضاف الرجل: نحن ندرك ان الحضارة الغربية تتراجع ، وان افول الغرب كقوة سياسية واقتصادية اصبح قريبا ، وفي مقابل ذلك تبدو الصين هي القوة المؤهلة للبروز عالميا ، وحوارنا معها ضروري وملحّ ، يمكن لهذا الحوار ان يكون سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، وهذا موجود وان كان لا يرقى للمستوى المطلوب ، لكن لا بد ان يكون ثمة حوار ديني ، ففي الصين نحو 30 مليون مسلم ، واكثر من مليار يعتنقون البوذية والهندوسية وغيرهما ، وعلينا ان نتوجه للطرفين معا ، للمسلمين بالتواصل والدعم والاهتمام ، ولغيرهم من اتباع المعتقدات الاخرى بالحوار والتفاهم وبناء "المشتركات" على قاعدة القيم الانسانية والقضايا المشتركة. سألته: هل بدأ الحوار؟ قال: نعم ، ولو على استحياء ، اذ بادر الازهر الى استقطاب بعض الطلبة البوذيين للدراسة فيه على حسابه ، وقام بترجمة كتاب البوذيين "تيرافادا" وقام احد الطلبة بكتابة اطروحة للدكتوراه حوله ، ووجد ان فيه اشارات لنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. قبل ايام ، تلقيت دعوة من معهد "كونفوشيوس" في عمان للمشاركة في ندوة حول كتاب الاستاذ سامر خير احمد عن "الصين والعرب" ، وفوجئنا -المنظمون والحاضرون - بدخول السفير الصيني في عمان "اسمه يوهونج يانغ" ، وبعد ان انتهى الصديق سامر من تقديم عرض لكتابه والاجابة عن اسئلة المشاركين ، وهم نخبة من الاعلاميين والاكاديميين والسياسيين ، استأذن السفير الصيني بالتعليق على ما دار في الجلسة ، وبدأ بالعلاقات الصينية الاردنية والعربية واوجه تطورها ، ثم استعرض "التجربة الصينية" وملامح تطورها.. الخ ، وقدّم لنا عرضا مختصرا عن موقف بلاده من هذه القضايا.. معربا عن "اعجابه" بالتجربة الاردنية وتطلعه الى تطوير العلاقات بين البلدين. كان الرجل متواضعا في حديثه عن "الصين" فهي -كما قال - لم تغادر مجموعة الدول النامية ، ولم تتمكن بعد من لعب دور سياسي يوازي دورها الاقتصادي ، ولم تخرج بعد من التحديات والازمات التي تواجهها ، لكنها تحاول وتجرّب وتتقدم ، وعلى الآخرين -في اشارة الى العرب - ان يفهموا "امكانيات" وظروف الصين وعلاقاتها مع العالم حين تتخذ موقفا معينا ، او حين تبدو "غير منحازة" كثيرا في قراراتها تجاه بعض قضاياهم ، كما يريدون ويتمنون. سألت سعادة السفير عن مدلولات رفض المسؤولين الصينيين التوقيع على بيان اعتبار القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية اثناء انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني مؤخرا ، وقلت له: لقد صدم المواطن العربي بهذا الموقف الذي صدر من اصدقائنا الصينيين ، فأجاب السفير بان موقف الصين تجاه القدس وقضية الدولة الفسلطينية لم يتغير ابدا ، وبأن ثمة سوء فهم قد حصل ، واكد - علنا - موقف الصين من القدسالشرقية ما زال ثابتا على اعتبار انها محتلة وعاصمة للدولة الفلسطينية القادمة. على طاولة العشاء سألت رئيس القسم السياسي والاعلامي في السفارة الصينية "اسمه شي هو نغوي": لماذا تبدو العلاقات الصينية الاسرائيلية اقوى من العلاقات الصينية العربية؟ فأجاب باسهاب عن تطور العلاقات بين الصين والعرب وعن ضرورة تطويرها لكنه قال متسائلا: اذا كان العرب يرتبطون - بشكل او بآخر - بعلاقات مع اسرائيل فلماذا تلومون الصين على اقامة مثل هذه العلاقات؟. شعرت بالسعادة بعد ان استمعت للسفير الصيني الذي اصرّ على حضور ندوة تناقش العلاقات العربية الصينية وعلى الكلام - طويلا - حول ما اثير فيها ، وقلت في نفسي: في بلادنا معاهد لنشر الثقافات الفرنسية والصينية والانجليزية ، تموّل كاملا من هذه البلدان ، وفي بلادنا لا يتردد السفراء عن الدخول في حوارات ومناقشات تهم مصالح بلادهم ، وفي بلادنا يحتفي "الاجانب" بكل مقال او كتاب يصدر او يناقش مسألة تهم بلادهم.. اما نحن فما زالت امامنا مسافات طويلة لكي ننجز ما انجزوه ، او يمارس سفراؤنا ما يتوجب عليهم القيام به. وفهمكم كفاية!!. المصدر: الدستور 27/5/2010