واقعة هرب المدانين الأربعة بقتل الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل والمحكوم عليهم – بقرار قضائي نهائي صادر من المحكمة العليا في الخرطوم – بالإعدام وبحسب ما توفر ل(سودان سفاري) من أنباء ووقائع وردت من مصادر مطلعة متنوعة، هي واقعة في تاريخ السجون عادية وممكنة الحدوث، بل وعلى مستوى دول العالم، وحتى في الولاياتالمتحدة حدثت ولا تزال تحدث. ومن المهم هنا قبل أن نسترسل في هذا التحليل أن نشير الى أن الطريقة التي اتبعت في الهرب لم تكن معهودة ولكن الهروب بصفة عامة أمر متوقع في أي سجن في العالم. والأمر المهم في هذا الصدد هو في تمكن السلطات السودانية من القبض على الهاربين واعادتهم الى محبسهم، حيث تشير غالب حوادث الهروب أن السلطات تتمكن في النهاية من القبض على الهاربين، ذلك على الرغم من اتساع رقعة البلاد ومجاورة السودان لعدد من الدول ربما يسهل معها الخروج الى هذه الدولة أو تلك. ولهذا فإن مدار الحديث عن الحادثة إنما يتركز حول إنتفاء أي اشارة ولو بأيسر قدر لوجود تواطؤ من جهة ما، أو تساهل من الحكومة السودانية أغرى الهاربين بالهرب لمجرد أن جريمتهم تتعلّق باغتيال شخص أمريكي الجنسية، فهناك عشرات القضايا التي حوكم فيها سودانيون بأحكام مختلفة بعضها وصل الى الاعدام لاغتيالهم لأجانب والكل يذكر حادثة أيلول الأسود في سبعينات القرن المنصرم التي حوكم فيها فلسطينيون نفذوا جريمة اختطاف وقتل لدبلوماسيين في الخرطوم، حاكمتهم المحاكم السودانية ونفذت أحكام القضاء بشأنهم دون أدنى تهاون. ويمكننا أن نستخلص من هذه الحادثة أمراً مهماً للغاية وهي أن القضاء السوداني – والذي ظل محل طعن دولي – للدرجة التي تم جر أقدام الحكومة السودانية لساحة محكمة الجنايات الدولية بدواعي عدم استقلاليته وعدم خبرته، نظر هذه القضية في كافة المراحل وخلص الى ادانة المحكومين وعاقبهم بالإعدام ذلك على الرغم من تنازل بعض أولياء دم أحد المجنى عليهما، فقد كان هذا التنازل يمكن أن يؤثر في عقوبة الإعدام ولكن المحكمة العليا السودانية أيدت قرار الإعدام. واذا لم يكن القضاء السوداني نزيهاً وجاداً لما أقر هذه العقوبة خاصة وأن والدة الدبلوماسي غرانفيل كانت قد طلبت معاقبة المدانين بعقوبة أخرى ولما قيل لها أن الإعدام أحد هذه العقوبات، قبلت بها على مضض بحسب الخطاب الذي أرسلته الى المحكمة. اذن لو كانت السلطات السودانية متساهلة أو غير جادة أو راغبة في معاقبة المدانين لما عاقبتم بعقوبة الإعدام ولوجدت لهم مخرجاً. لكل هذا فإن مزاعم البعض بأن السلطات السودانية تلاعبت في القضية أو تساهلت مع المحكومين أو أنها غير راغبة أصلاً في إعدامهم تبدو مجرد القاء للقول على عواهنه وتخمينات لا اساس لها من الصحة.