بالطبع لن يكون أمراً مفاجئاً أو غريباً أن يحاول المتمرد الدارفوري خليل ابراهيم – المستضاف حالياً في الجماهيرية الليبية – إعادة الكرة مرة أخرى لمهاجمة العاصمة الخرطوم، فالرجل مغامر من طراز غريب وهي مغامرة تصل الى حد الإنتحار، كما فعل في العاشر من مايو 2008 وفقد فيها لياقته العسكرية وخيرة قادته وأوصلته الى ما هو عليه الآن من ضعف و(هزال سياسي بائن). غير أن الأمر الغريب في تهديدات خليل هذه المرة – وهذا ما ينبغي أن نقف عنده ملياً – هو أنه أرسل تهديداته هذه من طرابلس ولم يرسلها من أنجمينا أو مدينة أبشي التشادية الحدودية حين كانت احدى مقار انطلاقه العسكري في السابق. والأكثر غرابة أن طرابلس لم تحرك ساكناً حيال تهديدات خليل مع علمها أنها ملتزمة بحكم علاقتها بالخرطوم وقواعد حسن الجوار أن تمنع أي حامل سلاح أو متمرد من إطلاق تهديدات أو القيام بعمل مسلح ضد الخرطوم وهو ما يشير الى أحد أمرين كلاهما ليسا في مصلحة الجارة الجماهيرية سياسياً. إما أنها (موافقة) على استمرار خليل في عمله المسلّح ضد السودان انطلاقاً من أراضيها على اعتبار أن قيادة الحركة المسلحة تقيم الآن في الجماهيرية، والقرار يصدر من هناك وربما يتم تشوين وتسليح ودعم لوجستي من مقر قائد الحركة هناك في الجماهيرية وفي هذه الحالة فإنه من الصعب أن تدعي طرابلس أنها (بريئة) من هجمات خليل أو مغامراته العسكرية، وفي القانون الدولي يعتبر مثل هذا الموقف بمثابة (عمل عدائي حقيقي) ضد السودان وغير مبرر على الاطلاق. وإما أن طرابلس (حتى ولو لم تكن موافقة على تهديدات خليل) تخلت عن التزامها السياسي بشأن استضافتها للمتمرد خليل كلاجئي سياسي فقط عندها لا يحق له ممارسة عمل عسكري وهي بهذا الإخلال تتجاوز الأعراف الدولية وتخالف ميثاق الاتحاد الافريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة ومن ثم تتحمل مسؤولية أي هجمات تقع من حركة خليل. وليس من المستبعد هنا أن نشير – من واقع متابعاتنا – الى أن طرابلس ربما تبدو راغبة في (ممارسة ضغط) على طريقتها الخاصة ضد السودان ليقبل بشروط خليل الهادفة الى نقل مقر المفاوضات إليها، وتغيير الوسطاء. وهو أمر لا يبدو أن طرابلس تُحسن اللعب فيه، ذلك أن من الصعب، ان لم يكن من المستحيل أن يتغير مقر التفاوض إذ أن طرابلس – على أقل تقدير – باستضافتها لخليل لكل هذه المدة فقدت الحياد المطلوب، وربما أصغت الى الرجل بأكثر مما ينبغي ومن ثم أسست – بناءً على ما سمعته من خليل – رؤية سياسية معنية، مزجتها بمصالحها الخاصة، وهو مالا يجدي ولا يصلح لمن يرغب في رعاية مفاوضات. ولذلك فإن تهديدات خليل (اليائسة)، وغير القادرة على تحقيق أي هدف، هي في الواقع ضغط سياسي من عُمق طرابلس لسوء الحظ لم يحالفه التوفيق!!