بعد يوم واحد فقط من ورود أنباء من عاصمة الجنوب جوبا تفيد بأن رئيس حكومة الجنوب وزعيم الحركة الشعبية الفريق أول سلفاكير مياردت أجرى اتصالاً قيل أنه هاتفياً – مع الجنرال (جورج أطور) المتمرد في جونقلي، وأن أطور (وافق) على حل المشكلة، دون الإفصاح عن ماهية الحل وكيفيته، بعد يوم واحد فقط وقعت مواجهات دامية بين أطور وقوات من الجيش الشعبي في منطقة (قمبروك) بجونقلي. المواجهات أوقعت حوالي (97) مابين قتيل وجريح قالت مصادر متنوعة أن غالب الذين سقطوا كانوا من قوات الجيش الشعبي وأن قوات أطور لم تفقد الكثير. وبالطبع ما من شك أن هذا التطور سوف يزيد الأمور سوءاً، ويزداد السوء كل ما أقتربت مواعيد الاستفتاء على تقرير المصير. فالاستفتاء الذي تفصلنا عنه من الآن حوالي الخمسة أشهر سوف تسبقه قريباً أهم العمليات التي يقوم على أساسها وهي عملية التسجيل وهي عملية دقيقة ومهمة وحاسمة وتلعب الدور المفصلي في عملية الاقتراع والنتيجة. فإذا استمرت هذه المواجهات – وهذا ما يبدو انه الراجح – فقد يستحيل إجراء عمليات التسجيل ومن ثم يستحيل – في ظل ضيق الوقت – الفراغ من عمليات الاستفتاء في وقتها واجلها المضروب. ولعل من الملاحظ هنا أن ما قيل عن أجراء اتصال هاتفي بين الفريق كير والجنرال المتمرد أطور، أما أنه كان خبراً غير دقيق، أو أن الاتصال نفسه كان الغرض منه محاولة تحديد مكان وجوده ومن ثم إرسال جنود للقضاء عليه، لأن من الصعب أن لم يكن من المستحيل أن يقدم الجنرال المتمرد أطور وعداً لزعيم الحركة ما لم يكن زعيم الحركة قد أقنعه (بشيء ما) يمثل احد مطالبه ونحن نعلم أن أطور ظل دائماً يطالب بأن يتفاوض مع الفريق شخصياً، ولم يسبق منذ تمرده أن حظي بهذه الفرصة، فلا يعقل بعد أن وجد هذه الفرصة التي ظل ينشدها، يعود وينكص على عقبيه مما يستخلص منه أن الرجل كمن جرى (تحريره) ومن ثم باغتته قوات من الجيش الشعبي ولكن الخطة لم تنجح. ان الازمة هنا لا تقف فقط في حدود اتساع رقعة التمرد وعرقلة عمليات الاستفتاء ولكن الازمة تتجاوز ذلك لتثبت عجز الحركة الشعبية نفسها في التعامل مع هذا الملف الحساس وتهاونها تارة في تناوله بالتظاهر بسهولته وبساطته وتارة بالإعلان عن حسمه. وإذا ظل هذا الأمر مستمراً على هذه الشاكلة، فان من المحتم أن تتسبب الحركة الشعبية في عرقلة تقرير مصير إقليمها وليس بالطبع من حقها بعد ذلك لوم أحد، كما أنها سوف تتسبب في توسيع رقعة التمرد، لدرجة قد يصبح فيها الجنوب السوداني موقداً مشتعلاً يصعب إطفاؤه مطلقاً!