ستة شهور فقط تبقت من حلول موعد الاستفتاء العام الذي يمارس من خلاله أهل جنوب السودان تقرير مصيرهم النهائي .. إما بالانتصار لخيار استمرار الوحدة مع الشمال أو خيار الانفصال كتمهيد لإقامة دولة مستقلة كاملة السيادة . ومما يدعو إلى تفاؤل مرحلي أن «المؤتمر الوطني» الحاكم في الشمال و«الحركة الشعبية» الحاكمة في الجنوب يعكفان حاليا في لقاءات جادة على تسوية المسائل وتذليل العوائق اللازمة لضمان أن تكون عملية الاستفتاء نزيهة وسلسلة . ولكن هل من الحكمة أن تقتصر هذه اللقاءات ذات الطابع المصيري التاريخي على شريكي السلطة فقط ؟ في الاسبوع المنصرم اجتمع الرئيس بشير مع الصادق المهدي رئيس «حزب الأمة القومي» ومحمد عثمان الميرغني رئيس «الحزب الإتحادي الديمقراطي» - أكبر حزبين في المعارضة - بشأن عقد «لقاء تفاكري» حول الاستفتاء وضمان نزاهته. ومع تقديرنا لهذه البادرة الطيبة إلا أن هناك سؤالين : أولا : لماذا ينحصر هذا اللقاء التفاكري في شؤون ما قبل اجراء الاستفتاء ؟ ثانيا : لماذا لا يمتد هذا النقاش التفاكري ليشمل مرحلة ما بعد الاستفتاء ؟ مرحلة ما قبل الاستفتاء تشتمل على قضايا لن يكون اجراء العملية الاستفتائية ممكنا قبل حسمها تماما . وأبرز هذه القضايا تحديد وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب حتى يمكن معرفة أين تنتهي الرقعة الجغرافية للشمال لتبدأ الرقعة الجغرافية للجنوب مع الأخذ في الاعتبار تعقيدات كأن يؤدي رسم الخط الحدودي إلى إنشطار قبيلة أو قبائل. أما قضايا ما بعد مرحلة الاستفتاء فإنها سوف تنشأ في حالة انتصار خيار الانفصال بما يؤدي إلى قيام الدولة المستقلة الجديدة . ومن أبرز هذه القضايا كيفية اقتسام العائدات النفطية - علما بأن النفط المنتج من حقول جنوبية لن يتمكن من الوصول إلى الأسواق الخارجية إلا عبر شبكة أنابيب شمالية. غير أن المسألة الأشد أهمية في حالة قيام الدولة الجنوبية المستقلة تتعلق بخط السياسة الخارجية التي يعتزم قادة هذه الدولة انتهاجها في التعامل مع العالم - وانعكاس هذا النهج على دولة الشمال . وفي هذا السياق تبرز مؤشرات في مقدمتها أجندة الولاياتالمتحدة التي من الواضح منذ الآن أنها تنطوي على تحويل الدولة الجنوبية إلى دولة ذات توجه عدواني نحو الشمال. وسواء تعلق الأمر بقضايا ما قبل الاستفتاء أو قضايا ما بعده فإننا بإزاء قضايا مصيرية بالغة الجدية والخطورة .. الأمر الذي يتطلب إقامة جبهة قومية موحدة بين كافة القيادات الشمالية. الكتابة على الجدران واضحة : الجنوب جنوب .. والشمال شمال. المؤشرات المتواترة لا تفيد إلا بأن استمرار السودان موحدا أصبح الآن في حالة عد تنازلي. لقد كان خطأ استراتيجيا جسيما إقصاء قادة الأحزاب الشمالية المعارضة عن مفاوضات السلام . والآن حان الوقت لتصحيح هذا الخطأ التاريخي. المصدر: الوطن القطرية 26/7/2010