لا يقف دعم الجارة تشاد لقرارات الاتحاد الافريقي الرافضة للتعاون مع محكمة الجنايات الدولية في حدود التزامها بانفاذ القرار كدولة عضو بالاتحاد الافريقي عليها الالتزام بما يصدر عنه، كما لا يقف موقفها باستضافة قمة (س ص) بمشاركة الرئيس السوداني المشير البشير في حدود المجاملات الدبلوماسية أو علاقات حسن الجوار، ولكن من المؤكد أن أنجمينا انطلقت من موقف أكثر قوة وموضوعية، وهو أن لا تصبح دول القارة الافريقية – بعد كل ما عانته من استعمار أوروبي واستعباد لقرون، ونهب لثروات وموارد – حقلاً لتجارب فئران، يتم بتجريب بعض ما تتفتق عنه عبقرية الأوروبيين فيها. فمحكمة الجنايات الدولية تبلورت فكرتها في ذهن الاوروبيين وهم أنفسهم حين فكروا في انشائها فعلوا ذلك تحت ضغط فضيحة ارتكابهم هم لجرائم حرب بشعة كما حدث في يوغسلافيا السابقة حين استحال تماماً مداراة ما وقع من جرائم، ولكنهم حين قرروا انشائها لم يكونوا (جادين) في أن تنشأ المحكمة كمحكمة جنائية عادلة لا تفرق بين قوي أو ضعيف وانما الكل سواسية أمامها، ولعل هذا الاتجاه هو الذي ساق بقية الدول – ومن بينها دول القارة الافريقية ال(33) – التي وقعت على ميثاق المحكمة للتوقيع على ميثاقها والانضمام اليها فقد ساد اعتقاد وقتها أنها محكمة (صحوة ضمير) وطريق مستحدث لمنع الجرائم ذات الطابع الدولي المؤذية للشعوب والأمم. ولعل الأفارقة على وجه الخصوص أكثر ما حفزهم ودفعهم للانضمام الى ميثاق المحكمة هو أنهم لديهم ما يحملهم على الاعتقاد أن الاوروبيين اشتهروا بتحري العدالة وهو أمر بالطبع معروف على النطاق الداخلي لهذه الدول، فالكل في أوروبا يرى ويشهد كيف تجري العدالة بالقسطاس داخل الانظمة القضائية الداخلية للدول الأوروبية. ولكن كانت خيبة الأمل أكبر من أي تصور حين جرى اعداد الميثاق في العام 1998 ثم صيغت قواعد التأسيس ومن ثم نشأت المحكمة – بأجهزتها وقضاتها رسمياً – في العام 2002 فقد ظهر جلياً أن المحكمة لها توجه استعماري وعنصري حيث لا مجال لخضوع الاوروبيين – وهم الذين بادروا بإنشائها – لقوانين المحكمة واستطاع الاتحاد الاوروبي – في مفارقة غريبة – أن يضع لنفسه حصوناً ومتاريساً آمنة تحول دون خضوع رعاياه لسلطان المحكمة وذلك بالاشتراطات التي وضعها الاتحاد الاوروبي والتي يستحيل معها اخضاع أوروبي لسلطان المحكمة. أما الولاياتالمتحدة، فقد كانت أشد تطرفاً في رفضها الانضمام لميثاق المحكمة – والغريب – أنها فعلت ذلك لذات الاسباب التي على كل عاقل أن يتمسك بها لرفض الانضمام والخضوع للمحكمة. اذن من الطبيعي ازاء ذلك ألا يجد الاتحاد الافريقي مناصاً من رفض محكمة تم تفصيلها خصيصاً للرجل الافريقي الاسود بدلاً من اخضاع الكل لها وهذا بالضبط ما جعل الرئيس التشادي ادريس دبي يضرب عرض الحائط بقراراتها ويستضيف الرئيس البشير في قمة (س ص) الأخيرة فالرئيس دبي أدرك ما وراء الأكمة، وهذا في حد ذاته نصر للقارة الافريقية كلها حتى الذين يتبعون الأوروبيين خطوة بخطوة ولا يردّون لهم طلباً!!