بالطبع لم يصدر عن الحكومة السودانية – رسمياً – حتى الآن ما يشير الى استغنائها عن قوات اليوناميد، كما أن من المعروف بالضرورة أن إتخاذ قرار كهذا لا يعجز الحكومة السودانية خاصة اذا قامت بالكشف عن مقدار التجاوزات التي وقعت فيها هذه القوات منذ مجيئها للاقليم قبل سنوات مضت. غير أن الحكومة السودانية فيما يبدو ووفقاً لما أكدته مصادراً مطلعة فيها حريصة على التحلي بضبط النفس والصبر وهي تقترب من حل نهائي لأزمة دارفور في ظل تراجع تحركات المتمردين وإمكانية التوصل الى حل سلمي شامل ضمن مفاوضات الدوحة. وليس بغائب عن الحكومة – وتؤكد ذلك ذات المصادر – وجود عناصر استخبارية بدرجة ما داخل هذه القوات تعمل لصالح قوى بعينها فعند وصول هذه القوات الى دارفور في دفعات لم تكن أعين الحكومة السودانية لاهية عنها وما غاب عنها يوماً وفقاً لصانعي القرار سواء على مستوى الولايات او المركز كل تحركاتها. وفي الوقت نفسه فإن تعاون الحكومة السودانية مع قوات اليوناميد ظل أميناً ووفياً لمقررات الاتفاق الذي بموجبه منحت التفويض وقد أشاد قادة اليوناميد ومسؤولي البعثة المشتركة في غير ما مرة بتعاون الحكومة السودانية مع اليوناميد وتسهيل مهمتها وما من تقرير قدمه قادة هذه القوة الى مجلس الأمن خلا من اشادة وتأكيد على سلاسة التعامل مع الحكومة السودانية وهو أمر حرصت عليه الحكومة من منطلق أنها تريد اجراء المهمة بسلام وانتهائها بسلام لأن مجئ هذه القوات من الأساس لم يكن له من داع ذا أهمية ولكن الحكومة السودانية تفادت انتقادات بعض القوى الدولية وعملت على إثبات صحة ما تقوله عبر وجود هذه القوات في الاقليم. وبالطبع لم تسجل حتى الآن طيلة هذا الوجود حوادثاً ضخمة مؤثرة تستحق الاهتمام وجنود اليوناميد على ضخامة عددهم الا أن الذين سقطوا منهم ضحايا في هجمات أو أعمال عنف ليسوا بالعدد الذي يثير القلق بل لا يذكر بالنسبة لما كانت تنظر اليه القوى الدولية والأممالمتحدة نفسها، بل حتى حين قررت الحكومة السوداني قبل نحو من عام ونصف طرد (13) منظمة أجنبية طوعية في دارفور فإن الأممالمتحدة أبدت قلقها ولكن لم يحدث شئ لا على صعيد الوضع الانساني ولا على صعيد الوضع الأمني. اذن ما الذي يدفع اليوناميد الآن للقيام بممارسات تخل بأمن البلاد بدلاً من الحرص على ترسيخ هذا الأمن؟ لا شك أن الامر لا يخلو من محاولة لإحياء وتقوية الحركات المتمردة التي تراجع أثرها الى حد التلاشي وسواء قصدت اليوناميد أو لم تقصد فإن الأمر لا يحتاج الى قدح الذهن لادراك ذلك، غير أن الأمور لم تجر وفقاً لما اشتهته، فقد سارعت الحكومة السودانية – والاتفاق يمنحها هذا الحق – الى تقييد حركة وتحركات اليوناميد وحصرها في مهمّتها دون زيادة أو نقصان بما يشير الى أن اليوناميد ستبقى، ولكنها ستعمل ضمن نطاق الاتفاق المقرر بمراقبة السلطات السودانية مما يجعل اليوناميد وبدلاً من أن تؤدي واجبها الرقابي وفقاً لا هو مقرر محلاً للمراقبة!!