واحد وعشرون ألفاً، وبضعة مئات هي أعداد جنود الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي اللتين يطلق عليهما (اليوناميد) والتي تقوم بعملية حفظ السلام في اقليم دارفور منذ ما يجاوز الأعوام الثلاث. وقوات اليوناميد جاءت الى دارفور بموجب اتفاق جرى ابرامه مع الحكومة السودانية وفي نطاق تفويض محدد، بموجب الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة. ويمكن القول اجمالاً أن قوات اليوناميد ومنذ مجيئها رغم ما صاحب مجيئها من نقص في بعض الاغراض كالطائرات ووسائل الحركة الا أنها لم تتعرض لمشاكل كبيرة، كما لم تضطر لخوض معارك ذات بال ولعل هذا ما دعا قائدها السابق الجنرال (مارتن لوثر اقواي) لتقديم شهادة أمام مجلس الأمن العام السابق بأن قواته لم تجابه تحديات تذكر في الاقليم وأن الاقليم قد بات مستقراً وخالياً من أعمال العنف. وبالطبع كانت هذه الشهادة حينها مثار جدل لدى الجهات التي تعمل على توسيع نطاق وجود اليوناميد سواء في جماعات تحالف أنقذوا دارفور أو حتى في أروقة صنع القرار في الدول الكبرى الدائمة العضوية بمجلس الأمن ما عدا الصين وروسيا. وبالمقابل، فإن الحكومة السودانية من جانبها – وفقاً لمصادر مطلقة – تحتفظ بسجل (موثّق) لما يمكن وصفها بخروقات عديدة وقعت من جانب قوات اليوناميد كان آخرها – قبل حادثة معسكر (كلمة) – ما دار حول استيلاء قوات حركة العدل والمساواة على عتاد وسيارات خاصة باليوناميد، في الوقت الذي كان من المشكوك فيه على الأقل أن يكون ذلك هو بالفعل ما جرى وأن الارجح – والأدلة موثقه – أن اليوناميد (تتواطأ) على نحو ما مع الحركة وتتيح لها المجال للقيام بعمليات تعطي انطباعاً بأن الاقليم لا يزال يشهد اضطراباً يستدعي التدخل الدولي اذ ليس من المستبعد أن يكون من بين هذه القوات (من يعملون لصالح جهات وقوى دولية بعينها). المهم في الأمر أن اليوناميد جاءت برضاء وقبول الحكومة السودانية وهذا يعني بداهة أن بقاءها رهين بهذا الرضاء، لهذا لم تكن حكومة ولاية جنوب دارفور مغالية حين اتخذت قراراً بتقييد حركة هذه القوات وضرورة التزامها بتوجيهات الحكومة السودانية والالتزام بالقيود المقررة، اذ أن ما جرى في معسكر (كلمة) بولاية جنوب دارفور – باتفاق كافة الروايات والمصادر – أوضح أن اليوناميد تساهلت الى درجة الاهمال الشنيع والتواطؤ حيال قيام عناصر من حركة عبد الواحد بالاعتداء على المقيمين بالمعسكر وخاصة اولئك الذين شاركوا في محادثات احلال السلام، وقد فاقم الوضع قيام اليوناميد باحتجاز بعض هؤلاء متجاوزة تفويضها ومخالفة لقواعد عملها. ان اليوناميد تتجاوز فيما يبدو الخطوط المرسومة لها وهو تجاوز تدرس الحكومة السودانية على حد علمنا في (سودان سفاري) كيفية التعامل معه فالأوضاع في دارفور – ووفقاً لرؤية موضوعية متجردة – تمضي نحو الاستقرار وستكون من سخريات القدر ومفارقاته أن تعود اليوناميد بعد كل هذه السنوات لتعيد انتاج العنف بعد أن تلاشى وتلاشت مسبباته!