بالتزامن مع ورشة العمل الجارية هذه الأيام بين شريكي الحكم في السودان الوطني والحركة حول قضايا ما بعد الاستفتاء في العاصمة المصرية القاهرة وصلاً لما تم من مشاورات سابقة في ذات الخصوص شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم وعاصمة الجنوب جوبا، تناقلت بعض الصحف ووسائل الإعلام أحاديثاً عن قادة بالحركة الشعبية قالوا فيها ان حركتهم ربما تطرح – أو هي طرحت بالفعل، إمكانية إجراء ما سُمي (بوحدة طوعية) – دون الحاجة إلى استفتاء، اذا تخلى الحزب الوطني عن مشروعه الحضاري وتطبيق الشريعة الاسلامية في البلاد بحيث يحكم السودان بقوانين علمانية لا شأن لها بالأديان. والواقع ان هذا الطرح فيما يبدو يأتي في سياق موجة عاتية جماهيرية ونخبوية تجابه أطروحات الحركة الشعبية الانفصالية، فقد بادرت الحركة الشعبية منذ أشهر طويلة باظهار (خيارها المفضل) والمتمثل في فصل الجنوب السوداني وانشاء دولة مستقلة، وقد تسببت هذه المبادرة التي ربما لم تحسب لها الحركة حساباً جيداً في تأليب هذه المبادرة التي ربما لم تحسب لها الحركة حساباً جيداً في تأليب قطاع عريض (خاصة قطاع الشمال) وبعض قطاعات الجنوبيين من أحزاب أخرى وشماليين متعاطفين مع الحركة، وبان الغضب حتى على قادة بارزين في قطاع الشمال من بينهم قادة بالمكتب السياسي، وازداد سوء حظ الحركة حين تزامن كل ذلك مع ذكرى رحيل مؤسس الحركة الراحل د. جون قرنق أواخر يوليو والذي كانت توجهاته الوحدوية ماثلة للعيان بحيث يستحيل المجادلة بشأنها. اذن وقبل أن نشرع في (تقليب) هذا الطرح أو المقايضة السياسية فإن علينا أن نقر دون عناء كبير أن مجرد إبداء هذا الطرح – صحّ ذلك أو لم يصح – من جانب الحركة هو في حد ذاته بمثابة (تراجع ملحوظ) عن التوجه الانفصالي، وهو أمر يصعب التقليل منه اذ يشير موقفها هذا الى امكانية قبولها بخيار مختلف عن الانفصال. أما فيما يلي الطرح نفسه وكما قلنا سواء صح طرحه أم لم يصح وبصرف النظر، بل وبعيداً عن رد الحزب الوطني عليه رفضاً أو قبولاً، فإن الطرح نفسه في الواقع ليس متوازناً لعدة أسباب أولها، ان علمانية الدولة السودانية أو تمسكها بالتشريعات الاسلامية لا شأن له مطلقاً بأوضاع الاقليم الجنوبي، فهو اقليم يتمتع بحكم ذاتي ومن ثم له الحق في تشريع القوانين التي يريدها ولا تطبق فيه أحكام الشريعة وهو أمر معروف بداهة ولا حاجة لنا للافاضة فيه، ثانياً : اذا كانت الحركة الشعبية ترى من جانبها أن السودانيين قاطبة أو غالبهم لا يحبذون أن تحكمهم الشريعة الإسلامية، فإن بامكانها خوض الانتخابات العامة المقبلة ببرنامج بهذه الصفة العلمانية ومن حقها – اذا حازت ثقة الناخبين السودانيين – تطبيق ما تراه، باخراج التشريعات الاسلامية وانفاذ قوانين علمانية فهذه الامور أصبحت الآن في يد وسلطة الناخب ولا يملك الحزب الوطني ولا غيره من الاحزاب الأخرى التقرير فيها وأخيراً فإن اصرار الحركة الشعبية على الحصول على ما تريد دائماً عن طريق المساومات والمقايضات السياسية علامة ضعف وفقدان للثقة في نفسها فالسودان الآن أمام تحول ديمقراطي واضح لماذا لا تكرّس الحركة جهدها في التعاطي معه، و(تناضل) من خلال هذه النوافذ الديمقراطية للوصول الى مبتغاها؟!