يخطئ بعض المراقبين والمحللين حين يتصورون أن بإمكان الحزب الوطني وفي سبيل ضمان وحدة السودان أن يقدم تنازلات بعينها تقبلها الحركة الشعبية ومن ثم تضمن وحدة السودان. الخطأ هنا مرده إلى أن استحقاق الاستفتاء، أمر مفروغ منه ولا مفر منه كونه نصاً مهماً من نصوص اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا عام 2005. والوجه الآخر للخطأ، أن ما يلي الحزب الوطني من واجبات ومهام لجعل الوحدة جاذبة قد تم الوفاء به، ويتمثل ذلك في تنفيذ اتفاقية السلام نفسها بنداً بنداً، وفي التوقيتات المقررة لها. ويمكن القول بلا مبالغة أنه وعلى كثرة اتفاقيات السلام التي أبرمت مع قادة جنوبيين فان اتفاقية نيفاشا 2005م وحدها التي حازت على لقب الاتفاقية الأكثر احتراماً وتنفيذاً ولهذا لم يكن الرئيس البشير مبالغاً حين أشار إلى أن الاتفاقية قد جرى تنفيذها بنسبة مائة بالمائة، فآخر ما تبقي هو ترسيم الحدود وإنفاذ برتوكولات أبيي (ماتبقي منه) واقامة الاستفتاء وهذا كله في حكم الذي تم تنفيذه لأنه لا صعوبات تقف قبالة ما تبقي . وفوق ذلك فان الشمال عمل على إقامة مشروعات تنموية مهمة (طرق وجسور ومحطات مياه) باعتبارها بني تحتية مهمة من شأنها ربط أرجاء البلاد وتسهيل حركة المواطنين ومن ثم ترسيخ الشعور بالوحدة. وهذا الذي أنجزه الحزب الوطني لا شك يقع في خانة الواجب الوطني وليس منة او صدقة يقدمها للجنوب ولا رشوة سياسية الهدف منها رفع الناخبين هناك للتصويت للوحدة. والمشاورات الجارية الآن بين الطرفين – الوطني والحركة – والتي تناقش قضايا ما بعد الاستفتاء (الحدود، الجنسية الديون، النفط) .. هي مشاورات عادية افتراضية وتحسبية – اذا جاز التعبير – تتحسب لما هو آت – وحد او انفصالاً - . وبالطبع ليس مطروحاً من بين هذه المشاورات – وفقاً لما علمت به (سودان سفاري) تنازلات أو مقايضات أو مساومات. فالتنازلات انما تقدم في مفاوضات سلام للتوصل إلى حلول. وإذا صح أن الشمال عرض إمكانية تنازله عن النفط في سبيل الوحدة فان هذا طرح جرى طرحه خارج إطار المشاورات ولكنه لم يرد بداخلها. أن الشمال بقدر حرصه على وحدة السودان ويحرص على أن تكون هذه الوحدة نزيهة وطوعية يتأسس على أساسها بناء وطني اقوي من ذي قبل بين شطري البلاد لا أن يتم إجراء استفتاء (مثار شكوك) من هنا أو هناك يدفع بالأزمة إلى مربع أسوأ من ما مضي – واذا أردنا البحث عن ما يمكن أن يقدم من تنازلات من جانب الشمال – سبيل الجدل والافتراض فان الواقع يقول أنه لا وجود لشئ يصلح للتنازل. فالجنوب ليس في حاجة إلى تشريعات علمانية في الشمال، فهو لديه تشريعاته هناك في الجنوب وله مطلق الحرية فيها. ونظام الحكم تحدده إرادة الناخبين وصناديق الاقتراع. وقضايا الهوية والثقافة هذه أمور مجتمعية تخص منظمات المجتمع المدني ولا دخل للسياسة بها – إذن لا وجود حقيقي لما يقال عن تنازلات وكل الذي يجري الآن هو تشاور حول مستقبل وطن من المهم فقط ان يتحلي المتشاورون حوله بالجدية والوطنية والنظرة المستقبلية المتجردة الثاقبة!.