الأستاذ (الفريد تعبان) رئيس تحرير صحيفة (خرطوم مونيتر) التي تصدر باللغة الانجليزية معروف عنه انه لديه جرأة شديدة في عرض آرائه وأفكاره قد تصل أحياناً إلى حد (الشطح) والخروج عن إطار المنطق والموضوعية، وقد كان ما كتبه في عموده اليومي Let us speak out بعدد الجمعة الماضية 6 أغسطس 2010م، يدخل في هذا التوصيف ويعتبر (شطحة) من العيار الثقيل. لخص الأستاذ (تعبان) فكرته في العنوان الذي اختاره وهو: أسلموا دارفور إلى الأممالمتحدة، حيث قال تعبان يجب أن تعطي الأممالمتحدة دوراً اكبر في إقليم دارفور المتفجر اذ أريد له الا ينحو منحي الجنوب في الانعتاق عن السودان واصفاً سياسة الحكومة بالفشل الذريع ومقرراً أن حل كل مشاكل دارفور ستكون على يد الأممالمتحدة ومضي (تعبان) بالقول: أن مهمة الأممالمتحدة في هذا الشأن هي فرض الأمن في الإقليم، لذا يجب أن يكون لها تفويض أقوى لان دروها الحالي المتمثل في حفظ السلام لا معني له لأنه ليس هنالك سلام أصلاً، بل تحتاج الأممالمتحدة لدور يمكنها من فرض السلام فرضاً، لأن اللغة التي يفهمها (الجنجويد) هي لغة الرصاص، لذا يجب أن يواجهوا بها لا بغيرها – على حد تعبيره – ويقرر الكاتب أن كل العواصم العربية لم تعد مقبولة لدي الحركات المتمردة لأن هذه العواصم تتعاطف مع الحكومة السودانية!!، ويقول الأستاذ (تعبان) في محاولة لتعضيد (شطحته) انه ونتيجة للإبادة الجماعية التي تمت في دارفور فإنها لم تعد قضية سودانية ولا أزمة إقليمية، بل أصبحت معضلة دولية بسبب أن هذه الإبادة وخزت ضمائر الكثير من الناس في أرجاء العالم، وهؤلاء يريدون معرفة مآلات الأمور في دارفور، لذلك أدعوا الأممالمتحدة للعامل معها لمعالجتها. الغريب والمحير في طرح الأستاذ (تعبان) هو أنه ما يزال يستخدم مفردات قديمة تجاوزتها الأحداث مثل الجنجويد والإبادة الجماعية، فحتى الميديا الغربية لم تعد تستخدم هذين المصطلحين اللذين أصبحا في حكم التاريخ منذ استقرار الأوضاع في الإقليم، وشهد على ذلك عدد كبير من الشخصيات الغربة المرموقة الرسمية والشعبية الذين زاروا الإقليم خلال الخمسة سنوات الماضية وآخرهم المبعوث الأمريكي الجنرال سكوت غريشن. إنني لا أطعن في وطنية الأستاذ (تعبان) ولكن من غير المفهوم لي أن يدعو الأممالمتحدة إلى التدخل في بلده لفرض السلام باستخدام القوة العسكرية ضد جماعات هي من مواطني الدولة هذا اذا سلمنا جدلاً أنها موجودة. دعوة تعبان لم يدع بها الاغلاة المتعصبين وقصيري النظر ممن يسمون بالصقور في بعض منظمات ال Think Tanks في الولاياتالمتحدة وحتى هؤلاء قسم كبير منهم واقع تحت تأثير التضليل المعلوماتي المنظم والمنهج من قبل دوائر أيدولوجية معروفة لها أجندتها الواسعة التي تغطي اقليم الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وتنظر إلى السودان بموقفه وموارده وسياساته باعتباره مهدداً لمصالحها وأهدافها في الإقليم، فهل أستاذنا (تعبان) هو الآخر واقع تحت تضليل معلوماتي؟! وهو الذي يتمتع بتدفق معلوماتي صحيح بحكم صفته الصحفية أولاً، وبحكم انه يعيش الأحداث وتطوراتها وتداعياتها يوماً بيوم وساعة بساعة. ان تجارب الأممالمتحدة في حفظ السلام في أنحاء عديدة من العالم كان مآلها كلها إلى الفشل والإخفاق الذريع، وأصبح هذا من المعلوم في السياسة الدولية بالضرورة ولا يحتاج الأم إلى أمثلة للبرهان عليه. ناهيك عن دور تقوم به لفرض السلام، فمن لم يقدر على حفظ السلام لا يستطيع بالضرورة أن يفرض السلام، والفرق شاسع بين الحفظ كفعل أقرب إلى السلبية وبين الفرض وهو عمل موجب يتطلب أداءه القيام بعمليات معقدة ومركبة تستخدم فيها موارد مختلفة وعديدة، وهذا ما لا تستطيع القيام به الا السلطة الوطنية القائمة في البلد بحسبانها أنها الوحيدة التي تملك هذا الحق بالأصالة . أما قوله أن كل العواصم العربية لم تعد مقبولة للحركات المتمردة لانها تتعاطف مع الحكومة السودانية، فهو ادعاء ينفيه واقع الحال من أصله، ولعله قصد أن يقول أن الدوحة لم تعد مقبولة لدي حركة العدل والمساواة، فان كان يقصد ذلك فهو صحيح، وهو موقف معروف ظل يردده قادة العدل والمساواة من منافيهم القريبة والبعيدة، الاختيارية والاجبارية، مما جلب عليهم ما هم فيه الآن من موقف لا يحسدون عليه البتة. اخيراً فان ربطه بين قضية دارفور وقضية الجنوب ربط خاطئ، وقوله أن دارفور يمكن ان تحذو حذو الجنوب في الانعتاق عن السودان قول يجافي الحقيقة بسبب أن الجنوب ما يزال جزءاً من السودان ولم ينعتق بعد، وبسبب ان قضية دارفور شهدت مؤخراً نقله نوعية ستعتقها حتماً من ربقة الخارج الى رحاب الداخل حيث مكانها الصحيح. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 8/8/2010م