لو أن باقان أموم، أمين عام الحركة الشعبية، وزير السلام في حكومة الجنوب إستكمل دراسته الجامعية في كلية القانون بجامعة الخرطوم قبل أن يلتحق بالتمرد في مطلع ثمانينات القرن المنصرم لما حوّجنا في هذه العجالة (لتصحيح) تصريحاته غير المتسقة مع ذهنية رجل القانون. أموم ظل يطلق تصريحات متواصلة تتصل بالشأن السياسي ذاخرة بالأخطاء والكبوات ولكننا فيها كلها وجدنا له العذر، فلربما كان الرجل يعاني (وحشة) غياب قائده الراحل قرنق، أو لربما كان وجوده السياسي – وهذا أمر راجح – تأسّس وقام على وجود قائده قرنق. غير أن التصريحات المتصلة بالشأن القانوني والدستوري لا عذر لأموم فيها وذلك ببساطة لأن الرجل ليس (خبازاً) في المجال القانوني ومن ثم يتعين عليه ترك القانون لخبازيه، كما أن من غير المستساغ مطلقاً الخوض في شأن لا يملك الخائض فيه أدنى مقومات المعرفة به. فقد كانت آخر تصريحات أو فلنقل (تهديدات) السيد أموم إعلان استقلال دولة جنوب السودان من داخل البرلمان لمجرد بروز إتجاه (فني) داخل مفوضية الاستفتاء لتأجيل الاستفتاء لأشهر قلائل إحكاماً للإجراءات وسداً لأي ذرائع أو مطاعن قد تطال عملية الاستفتاء. وما من شك – وبغض النظر عن قيام الاستفتاء في مواعيده أو تأجيله – فإن إمكانية إعلان الاستقلال من داخل برلمان الجنوب منعدمة تماماً وتخالف مخالفة صريحة نصوص اتفاقية نيفاشا للسلام 2005 والدستور الانتقالي سن2005ة. وقد اضطرنا أموم لإيضاح الفارق الجوهري بين الأمرين : الإستقلال – والاستفتاء – فاتفاقية السلام نصّت فقط على قيام إستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان يتحدّد على نتيجته مصير الجنوب هل يظل ضمن الدولة السودانية الموحّدة أم يصبح دولة مستقلة. ولم يرد في الاتفاقية ولا الدستور الانتقالي لا صراحة ولا ضمناً أي نص يمنح برلمان الجنوب أو حكومة الجنوب، او حتى أي جهة أخرى الحق في استبدال الاستفتاء بأي شئ آخر. وعلى ذلك فإن أموم هدّد بأمر لا أساس له من الواقع، وفي العادة فإن الذي يستخدم سلاح التهديد يهدد بشئ ممكن وله سند بحيث تصبح الإمكانية مشروعة والسند صحيح فيضطر الطرف الموجّه إليه التهديد لوضع الأمر موضع الجد. وأموم هنا هدّد بأمر ليس له قيمة قانونية ولا سياسية فاذا افترضنا أن برلمان الجنوب اتخذ قراراً كهذا مستبقاً عملية الاستفتاء – مهما كانت المبررات – فإن ما اتخذه يعتبر بلا قيمة وبلا أثر قانوني حيث لن يحصل الجنوب على اعتراف أحد لا محلياً ولا اقليمياً ولا دولياً، وحتى لو استمر وجود الدولة الوليدة دون اعتراف فإنه لن يكون وجوداً قانونياً مما يجعل من المستحيل بقاءها على قيد الحياة السياسية. أموم – للأسف الشديد – يضحك على نفسه وهو يظن أنه يضحك على الآخرين والسياسة منذ أن عرفتها البشرية هي فن الممكن، وليست بحال من الأحوال (فن التهديد الفارغ، الخالي من المنطق). لقد كان الرجل يمارس عنفاً سياسياً بلا مبرّر وهو لا يدري أنه بهذا المسلك يتراجع سياسياً الى المزيد من الحضيض!! إنها تهديدات أمين عام ليس لها سيقان!!