ما من أحد من قادة الحركة الشعبية حتى هذه اللحظة استطاع إيراد أسباب قوية منطقية تحول دون تأجيل استفتاء الجنوب السوداني اذا دعت الضرورة لذلك. وتلف الدهشة كل المراقبين كلما لاحظوا أن الحركة الشعبية تبدو كمن لدغته أفعى رقطاء حين يجري الحديث عن تأجيل الإستفتاء. ومن المفروغ منه بداية أن ما من جهة سياسية حتى الآن طالبت بتأجيل الاستفتاء. الجهة الوحيدة التي صدر عنها ما يشير الى احتمال التأجيل هي مفوضية الاستفتاء وهي جهة مستقلة وفنية لا شأن لها بالأمور السياسية كما أنها جهة متفق على حيدتها ومهنيتها توافق الطرفان على الأقل اختيار أعضائها وما من مطعن من أحد – على الأقل طرفي نيفاشا – على أي عضو من أعضاء المفوضية. وحتى الاشارة التي وردت حتى الآن من مفوضية الاستفتاء لم تتبلور في شكل رسمي ولم ترد فقط من أجل التأجيل وإنما استندت الى القانون نفسه الذي يضع جداولاً زمنية واجبة الاحترام للعملية المكونة من مراحل مختلفة وعديدة. اذن التأجيل تقتضيه ظروف تتصل بالجانب الفني للعملية وليس لأسباب سياسية لهذا فإن المنطق كان يفرض أن تتأنى وتتريث الحركة الشعبية قبل أن تطلق تهديداتها ورفضها الحاد للتأجيل. ومن المعروف أن عملية الانتخابات من قبل مرّت بذات الظروف وتوافق الطرفان حينها على التأجيل، فما الذي يجعل من تأجيل الانتخابات أمر طبيعي وعادي وفي نفس الوقت يصبح تأجيل الاستفتاء خطاً أحمراً!! ان مواعيد إبقاء بنود نيفاشا جميعها أو غالبها – لهذا الظرف أو ذاك – تعرّضت للتأجل وهذا أمر طبيعي بالنظر الى أن الحياة عامة ذاخرة بالظروف، والتقلبات بما يجعل من الإلتزام بأي جدول زمني أمر صعب. وفوق كل ذلك فإن أحداً لا يدري لماذا اصبحت مواعيد الاستفتاء مواعيداً مقدسة لا تقبل حتى مجرد الحديث؟ فإن قلنا ان الحركة متمسكة بالمواعيد لأنها تحترم المواعيد، فهذا مجرد عبث لأن الكل يعلم مماحكات الحركة ومماطلاتها في العديد من الأمور أقلّها مماطلتها حتى هذه اللحظة في سحب كل جيشها جنوب خط 1956. ومماطلتها الشهيرة في سحب قواتها من الشرق لأكثر من عام والعشرات من الأمثلة والنماذج تدل على أن الحركة ليست معنية بالاهتمام بالمواعيد، فيا ترى ما الذي استجد ليجعل من مواعيد الاستفتاء – وحدها – ودوناً عن أي مواعيد أخرى تكتسب هذه القدسية؟ إننا لا نود القول ان الحركة حتماً ستتراجع عن هذا الاصرار، ولكننا ندرك بالمقابل – وثيقة تامة – أنّها لا تملك مبررات للاصرار على المواعيد المقررة، فلا الجنوب سوف يختفي عن الوجود ولا إرادة الناخبين ستتغيّر – ان كانت إرادة صلبة قائمة على أساس متين!!