إنها الدهشة والخوف من مصير مجهول ما دفع حكومة السودان من استخدام كافة أسلحتها للوصول لما تصبو إليه بعد أن ضاق عليها الخناق، فالتحولات الداخلية الكبيرة التي نجمت من تراكمات وإحداث سياسية تبلورت لتصب في وعاء المجتمع وتصيبه بالإعياء في جوانب عدة كانت السبب الأول في الحملات الإعلامية الموجهة الآن لتوجيه مواطن الجنوب لاختيار خيار الوحدة دون الانفصال. فمع بداية العد التنازلي للاستفتاء الذي سيحدد الوضع النهائي لمستقبل البلاد طبقا للنظام الذي اقرتة اتفاقية نيفاشا بين الوحدة أو الانفصال، تضاربت الآراء بين مؤيد ومعارض حول اختيار شعب جنوب السودان بين البقاء في السودان الموحد أو قيام دولة تحت اسم (الجنوب ) لتكون الدولة رقم (11) في حوض النيل بعد تاريخ طويل من الصدام والصراع. الأمر الذي أثار مخاوف الساسة من تفكك الدولة وإعادتها إلي دوامة الحروب الأهلية مرة أخرى، ومن هنا جاء إدراك الساسة قوة وأهمية وسائل الإعلام بمختلف مكوناته والدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه كواحدة من وسائل الدفاع التي تستخدم للمحافظة على تماسك المجتمع وتكوين الرأي العام، حيث وضع الإعلام في نفس مرتبة السياسة الخارجية . فلما كان لوسائل الإعلام هذا الدور في توجيه المجتمع والضغط على بعض من السياسيين في اتخاذ قراراتهم أجبر كل القوى السياسية الداخلية والخارجية بأخذ الحذر منها وقرع أبواب الأجهزة الإعلامية للمساعدة في التوجيه نحو الوحدة والتعريف بمضار الانفصال،،، فكانت البداية من مجلس الوزراء الذي بادر بعقد جلسة بتاريخ 24 يونيو بحضور رئيس الجمهورية قدم فيها تقريرا عن دور وسائل الإعلام في ترسيخ الوفاق والوحدة حيث أوضح وزير الإعلام د/كمال محمد عبيد خلال الجلسة أن مضمون الرسالة الإعلامية خلال الفترة القادمة يجب أن تركز على التنوع الثقافي وحث المواطنين على المشاركة في التنمية وتامين حق المواطن في جنوب السودان بالإدلاء براية بمنتهى الحرية والطمأنينة، إضافة إلى تعميم البث الإذاعي والتلفزيوني في كل أنحاء السودان بمختلف اللغات واللهجات، واستنفار الشباب والطلاب من خلال الأجهزة الإعلامية بالمساهمة في التوعية بقضايا المرحلة ، مشيرا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في تحقيق الوحدة ونجاحها الملموس في حشد المواطنين لممارسة حقوقهم الدستورية خاصة مواطن الجنوب، باعتباره الوحيد الذي سيذهب للتصويت في الاستفتاء . في الوقت الذي يؤكد فيه المحلل السياسي محمود الشعراني أن الحملات الإعلامية المكثفة والتي كانت بتوجيه من رئيس الجمهورية جاءت في وقت متأخر جدا حيث كان من المفترض أن تبدأ منذ عام 2005 وليس مع تبقي خمسة أشهر فقط ، ويقول "بالرغم من قوة التأثير التي تتمتع بها وسائل الإعلام إلا أن الاعتماد عليها في الوقت الراهن مجرد مسألة تنبؤ سياسات قد يكون لها دور يعكس سياسات التحول الديمقراطي والوضع السياسي وبيان مخاطر الانفصال ليس إلا "، ويضيف أنه ومع ضيق الوقت إلا أن الرهان يبقي على المواطن البسيط الذي كان لابد من إشراكه منذ البدء في قرارات تخصه وتؤثر عليه أكثر من غيره، ويضيف محمود أن الزوبعة الساسية التي تحدث الآن هي مجرد طموحات شخصية وأجندات خارجية لا علم للمواطن البسيط بها، فاستخدام الأجهزة الإعلامية والشعارات والأغنيات التي تترد في كل مكان لاتحدد خيارا ولا يمكنها ذلك، وهذا مالا تريد الحكومات الاقتناع به، وأبان أن التمسك الشديد بموعد الاستفتاء من قبل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية واستخدام الوطني لوسائل الإعلام وتوجيه يدل على أنهم يعتبرون أنفسهم شركاء في السودان وليس اتخاذ القرار وهذا ما يفاقم من حجم الأزمة ويجعل احتمال الانفصال قائم ومن ثم ظهور سيناريوهات عديدة تجعل من عدم إشراك المواطن البسيط في صنع قراره منفذا لقيام حروب أهلية وكوارث قد تفتت السودان ، إضافة إلى أن التدخل الأجنبي والحماس الذي يصحبه يدل على وجود أجندة هادفة إلى غرض ما قد يكون واضح الملامح لكنه ليس مكتمل الصورة، واعتبر أنه مهما كانت الحملات الإعلامية وطرق توجيها للمواطن لن تكون حاسمة في المرحلة القادمة إنما تعتبر محاولة أخيرة . وفي ذات الجانب أكد نائب رئيس قسم المذيعين بالتلفزيون القومي طارق التجاني أن وسائل الإعلام لها المقدرة على توجيه المجتمع نحو خيار الوحدة والتعريف بمضار الانفصال فالأجهزة الإعلامية منذ سنوات طويلة كانت تحرك كثيرا من سياسات الدول و شعوبها من غير دراية، لكن اليوم السودان بأمس الحاجة لها للمساعدة و القيادة نحو خيار الوحدة في ظل الأوضاع المتوترة للبلاد وتخوف الكثيرين من انقسام دولة عانت الكثير ودفعت الأغلى لتبقى موحدة وأشار إلى أن التلفزيون في هذه المرحلة رسم خارطته البرمجية على أساس البرامج والنقاط التي من شأنها الدفع نحو خيار الوحدة. مؤكدا أن الإعلام سلاح ذو حدين من شأنه الهدم والبناء ويقول " اليوم نمر بمرحلة حرجة جدا تحتاج إلى تكاثف الجهود للوصول إلى الهدف المنشود وحدة السودان، فالجاذبية التي يتمتع بها تثير اهتمام الأفراد وتملي عليهم جانبا كبيرا في إصدار قراراتهم " . لكن يبقى السؤال في ظلال التحليل السياسي وإصرار بعض الأحزاب على توجيه المجتمع إلى خيار الوحدة هو إلى أين ستشير البورصة ؟. نقلا عن الأخبار السودانية 30/8/2010